إستنارة / العبيد أحمد مروح

البحث عن (آدمن) جديد !!     

العبيد احمد مروح
االعبيد احمد مروح

 
 

 
     سأستعير هذه المرة لغة أو مصطلحات وسائل التواصل الإجتماعي لتوصيف الوضع السياسي في السودان في ضوء تزاحم المبادرات الباحثة عن حل للأزمة المستحكمة منذ ثلاث سنوات، وما جاء في خطاب قائد الجيش أمس من أن القوات المسلحة لن تنحاز لمبادرة بعينها دون الأخريات وأن الجيش في انتظار توافق المدنيين على كيفية إدارة ما تبقى من الفترة الإنتقالية لكن انتظاره هذا لن يطول، (ربما أقل من الأشهر العشرة التي مضت عقب بيان الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١م)!!
     لثلاثين عاماً مضت (١٩٨٩- ٢٠١٩) كانت الجبهة الإسلامية القومية ثم المؤتمر الوطني – وكلاهما شكل الواجهة السياسية للحركة الإسلامية – هو (الآدمن) الذي يدير البلاد، وظل على مدى تلك السنوات، وفي كل مرحلة سياسية، يُدخل إلى (المجموعة) مُضافاً جديداً حتى بلغت سعة (القروب) حد الامتلاء في الفترة ما بين ٢٠٠٦ – ٢٠١١، ومع إن (القروب) ظل وخلال الثلاثين عاماً يستقبل مضافين جدداً إلا أنه ظل يشهد حالات مغادرة أيضاً، تارة بسبب الاحتجاج على سياسات (الآدمن) في الإدارة وتارة أخرى بسبب مطامع يظن المغادرون أنه يمكن تحصيلها في مواقع أخرى، لكن النسق العام لإدارة القروب كان مرضياً بدليل أن عدد الداخلين في ازدياد وعدد المغادرين يتناقص، وظلت معالجات حالات “الحرد” تسير بنسقٍ مضطرد نحو الأحسن برغم أن الأوضاع  السياسية والاقتصادية تزداد تعقيداً كل مرة.
   بعد التغيير الذي حدث في أبريل ٢٠١٩ وانقطاع الحبل الناظم لإدارة القروب، حاولت مجموعات مختلفة، بعضها سبق له مغادرة القروب الأصلي، إنشاء (مجموعات أو قروبات) جديدة والتصدى من خلالها لإدارة الشأن العام في البلاد، فظهرت على السطح مجموعة الحرية والتغيير والمجموعة العسكرية ومجموعة سلام جوبا، لكن هذه (القروبات) جميعها فشلت في إيجاد خيط ناظم يجمع شتات القوى السياسية والاجتماعية في البلاد ويوحّدها على برنامج الحد الأدنى برغم الدعم الخارجي الذي أُتيح لكل واحد منها، ولم يمضِ وقت طويل حتى دبت الخلافات داخل كل (قروب) من هذه المجموعات فتجزأ المُجزأ، وباتت البلاد على شفا الانهيار بعد أن بلغت الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية والأمنية حالة من التردي لم يسبق لها مثيل!!  
   على الرغم مما يمكن أن يُقال في إسلوب إدارة (الآدمن) القديم في إدارة الدولة، إلا أنه يُحسب للمؤتمر الوطني أنه نجح في الحفاظ على الحدود المعقولة للعيش الكريم للشعب السوداني سواء في مستوى الخدمات الأساسية أو البنيات التحتية أو الأمن والسلام الاجتماعي، وهي القضايا التي شكلت تحدياً لمن آلت لهم الأمور وعجزوا حتى عن الحفاظ عليها، دعك عن الإتيان بأفضل منها، والأسوأ من ذلك هو أن البلاد الآن أصبحت في وضع يشبه “الكنتونات” إذ تنفرد كل مجموعة متنفذة بإدارة مرفق أو مرافق في الدولة فتفعل فيها ما تشاء دون آليات رقابة أو محاسبة!!  
  التحدي الذي يبرز الآن بشكل أكثر وضوحاً أمام الرئيس البرهان والمؤسسة العسكرية، ليس هو الوقوف في خانة المتفرج، كما يُفهم من مواقفه الحالية، ولا في مدّ حبال الوصل والدعم مع “آدمنز” المجموعات المختلفة التي تتحرك وتتسابق الآن، وإنما في التحرك خطوة أو خطوات للأمام، وبالسرعة المطلوبة لجمع أصحاب الأفكار المتقاربة الموجودين في أغلب هذه المجموعات في (قروب) واحد، إذ لا فروقات جوهرية بين محتوى مخرجات مبادرة أهل السودان للتوافق الوطني وبين مبادرة الحرية والتغيير- التوافق الوطني وبين ما يقوله قيادات من حزب الأمة القومي ومن مجموعة المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير، وهذه هي الأطراف الأساسية الفاعلة في الساحة السياسية الآن.   
   إن البحث عن “الآدمن المفقود” أصبح ضرورياً قبل أن يملَّ الفاعلون في هذه المجموعات تكرار الطرح والمقترحات  فيضطروا للمغادرة وربما لإنشاء قروبات جديدة، وقد تكون  المؤسسة العسكرية والأمنية ذات نفسها هي (الآدمن) الجديد الذي يحوز على قدرٍ مناسب من القبول، خاصة وأنه بوسعها كسب قدر كبير من ثقة “آدمنز” المجموعات المبعثرة، وهذه بطبيعة الحال مهمة ليست سهلة لكنها أيضاً ليست مستحيلة. فقط على البرهان – إن أراد ذلك – أن يحزم أمره ويتبع الأسلوب الذي يقلل “الحَرَد” عند زعماء تلك المجموعات.   
  

اترك رد

error: Content is protected !!