تشرئب أعناق أهل السودان إلى ليلة سبتهم التى طال إنتظارها ولحظة إعلان النصر على التمرد والعودة إلى الدِيَار بعد أن دفعوا فاتورة هذه الحرب مُقدَّماً قتلاً ونهباً وترويعاً وإغتصاباً .. فهل يا تُرى أنَّ حُكامنا وساستنا المبجلون سيمنحون هذا الشعب الصابر ما يستحق من إحترامٍ وتقديرٍ وتعويض بعد أن منحهم كل حِبه وثقته وولائه أيام المحنة والحرب ، أم سيواصلون مسيرة التملُّق والتزلف والإنبطاح التى كُنَّا نراها بأعيننا وتستنكِرَها قلوبنا لذلك الباغى الشقى وجنوده الذين أذَلَّوا الشعب وقهروه بقوة السلاح ..!!؟ إنَّ مرحلة ما بعد الحرب يجب أن تختلف كثيراً عمَّا قبلها ، فكل ما تحتاجه بلادنا فى الغد القريب قرارات صارمة من الدولة وإعادة النظر بحكمة وبقوة ومراجعة جميع الملفات السياسية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية فالجميع يحتاجون لأن يشعروا بوجود سلطة صارمة تحكمهم وتُنَفِّذ ما تُريد دون تَردُّد ولا تَخوّف من مآلاته ، ويجب على من يرسوا عليه مزاد كرسى السلطة والحكم أن ينظر إلى جيرانه فى المحيط الإقليمى وإلى من يدّعى صداقته من المجتمع الدولى نظرة شك حتى يميز الخبيث من الطيب ، ويجب أن تكون تلك النظرة هى رفيقته حتى موعد إنتهاء ولايته ، فلكم كانت بلادنا ضحية أصدقائها وجيرانها حسبما أفادتنا به حقائق التاريخ ، كما أنَّ المرحلة القادمة تقتضى رفع القواعد من البناء تعميراً وتعليماً وتنميةً وصحةً وأمناً وإزدهاراً أو ستزداد خراباً ودماراً على ما هى عليه إن أوكِلَ أمرها لمَنْ شَبَّ على التَمَلُّق والتَسَول السياسى بالمواقف الإماء فبَعضَ المواقف حرائرُ وبعضَهُنَّ إماءُ .. وليعلم ولاة أمورنا أن أهل السودان لن يغفروا لهم خطيئاتِهم ثانيةً كفعلتهم الشنيعة تلك التى فعلوا بجمعهم لكلاب الصيد من الفيافى والمنافى لحراسة كُرسيِّهم وأطعموهم من لحوم شعبهم وأطمعوهم فيهم ، فصَدَّقوا أنهم أهل حق وعلى حق ، ورفض عقلهم الباطن الحق الحق بعد أن سُقِىَ غرسهم بالباطل فكان هذا الفساد والإفساد ، وأضحت بلادنا على شفا جُرُفٍ هار وكادت أن تهلك ويهلك أهلها .. فالخيارات الآن باتت محدودة فى ظل تمايز الفريقين ( *الفريق القومى السودانى *) من جميع أهل السودان ، وفريق المخلفين الذين آثروا البقاء والمُقامة فى دار الخِيانة ، لا ينتمون إلى غير غرائِزهم ولا يُدافِعونَ عَنْ غير أطماعهم .. فالظروف القاسية التي مرّت بها بلادنا والفوضى والجرأة على الأفعال الإجرامية التى رأيناها تتطلب من الجميع العمل على الحفاظ على هيبة الدولة ولو باستعمال القوة المشروعة لنجعل من الهيبة المُؤَمّلة همّاً مجتمعاً و مجتمعياً لإعلاء مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء ومعاقبة كل من يخالف النظام القانونى بعدالة وبقوة وبقوة وبقوة ودون تمييز .. وعندها ستكون هيبة الدولة مُصانة ومحل إحترام وتقدير من الجميع .. وقد كان عبد الملك بن مروان يقول لساسته وولاة الأمصار فيما يقول : إنَّ هذا الأمر لا يَصلُحُ له إلاَّ سيفٌ بتَّار ورجلٌ مِغوار ، ويَدٌ ممدودة بالكرم والسخاء فهذا المواطن المغلوب على أمره من فِعالَ حُكَّامِه ظَلَّ يعانى منذ نيل إستقلاله من خيبات الأمل المتلاحقة كحبات المسبحة التى إنقطع خيطها الناظم وظَلَّ يتجرع مرارات الخيبة من حكامه وهو يبذل وسعه لصناعة أحلامه من كفاف يومه ليتجنب الخيبة التى يتجرعها أكثر مما يتجرع كؤوس الشاى من ( ستات الشاى ) اللائى تبينت خيانة بعضهن .. ورغم أن المشهد المحزن الذَّى يزداد حزناً كل يوم أظهر رجالاً صدقوا فى خدمة سودانهم وآمنوا به ، فمنهم من قضى نحبه من أجل عينيه ونيليه ومنهم من ينتظر على ماهو عليه من الإيمان بحتمية إفتدائه ، إلاَّ أنه أى المشهد البَعدى يتطلب نقاش جميع القضايا الوطنية الجوهرية وفق رؤية مستنيرة وبحضور كافة النخب الوطنية السياسية والثقافية والعلمية وبمشاركة قادة الفكر وحملة الرأي وفقهاء القانون وخبراء التنمية ونشطاء المجتمع المدنى حتى يعلم عُربان الصحراء أن الشعب السودانى ظل ينشد فى تأريخه الحديث الحرية والديمقراطية ويرفض الديموقراطيات المطبوخة فى مطابخ الخيانة ، وسيظل يحترق أسىً وحسرة وتهجيراً من أجل أن يبقى السودان آمناً وإن تسلَّط عليه البلاء الدقلوقراطى من أجل أم قرون .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوءٍ ومكروه .