اسامة عبدالماجد
¤ لنفترض أن الحكومة ابرمت اتفاقاً مع الباغي الشقي حميدتي.. وعاد لمنصبه او منح شقيقه المتهور عبد الرحيم منصباً عسكرياً رفيعا.. ترى ماهو موقف الشعب المكلوم ، المغدور، المنهوب ،المطرود من الجنجويدي المجرم واخوانه ومليشياته وعصابته ؟!.. نحيلكم إلى الحالة الكولومبية.
¤ في كولومبيا بامريكا الجنوبية توصلت الحكومة لاتفاق مع القوات المسلحة الثورية المتمردة المعروفة اختصارا بـ (فارك) في العام 2016.. انهى حربا استمرت (52) عاما.. خلفت (260) ألف قتيل و (45) ألف مفقود ونحو (6) مليون نازح.. في حفل التوقيع ظهر الرئيس الكولومبي خوان سانتوس وزعيم الجنجويد رودريغو لوندونيو ومرافقيهم يرتدون الاقمصة البيضاء.. ولحظه التوقبع طلب حميدتي الكولومبي الصفح من ضحايا النزاع وقال: (باسم القوات المسلحة الثورية الكولومبية، أعتذر بصدق لجميع ضحايا النزاع عن أي ألم قد نكون تسببنا به أثناء هذه الحرب)..
¤ تم اخضاع الاتفاق لاستفتاء شعبي (شفتو الشفافية دي).. رفض الشعب الكولومبي الاتفاق .. حيث اعتبر ان عناصر الحركة المتمردة منحوا حصانة فضفاضة من الملاحقة القضائية وطالبوا بمعاقبتهم عن جرائمهم.. رغم ان الاتفاق نص على ان لا يستفيد مرتكبو الجرائم ضد الإنسانية والمجازر وعمليات الاغتصاب من العفو.. وعليهم المثول أمام الهيئة القضائية الخاصة بعملية السلام التي تم الاتفاق بشأنها أيضا في إطار الاتفاق.. كي تحكم عليهم بعقوبات بديلة من السجن مثل تقييد حريتهم لمدة 8 أعوام شريطة أن يقروا بالحقيقة كاملة عن الوقائع المنسوبة إليهم.
¤ كذلك رفض المعارضون للاتفاق مشاركة (فارك) في الحياة السياسية.. رغم ان الاتفاق لم يمنحهم نائب رئيس ولا مقعد في هيئة اركان الجيش الكولومبي.. انما نص على القاء المتمردين سلاحهم ويتحولوا الى حزب سياسي سُيمنح فقط (5) مقاعد في مجلس النواب والذي يضم (172) عضوا ومثلهم في مجلس الشيوخ المؤلف من (180) عضوا.. (5) مقاعد في السودان لا تكفي لاولاد دقلو !!.
¤ اجاز البرلمان الكولومبي الاتفاق وضرب بنتيجة الاستفتاء الشعبي عرض الحائط.. ودعم الغرب الرئيس سانتوس بمنحه جائزة نوبل للسلام.. ونفذت للحكومة الاتفاق وبصرامة بنزعها سلاح نحو (7) الف جنجويدي من (فارك) واستلمت منهم ما يقرب من (9) آلاف قطعة سلاح. وبحلول عام 2017 – اي بعد اقل من عام من الاتفاق – تم تسريح عناصر المليشيا بالكامل.. والتي تعتبر أقوى حركة متمردة في أميركا اللاتينية.
¤ لكن لم ينس الشعب الكولومبي مراراته.. وخلال السنوات الاولى من عمر الاتفاق تم قتل (331) من المقاتلين السابقين.. احدهم مليشي كبير كان يدافع وبشدة عن الاتفاق.. وفي 2018 اقيمت انتخابات رئاسية لم يخوضها الرئيس سانتوس لانه كان امضى دورتين وبنص الدستور لا يحق له الترشح للمرة الثالثة.. وهي رسالة في بريد الاحزاب السودانية التي تنادي بالديمقراطية ولا تتطبقها داخل اروقتها.. لكن خسر المرشح المدعوم من الرئيس سانتوس ولم يشفع لهما دعمهما لاتفاق السلام.. بينما تحولت فارك الى حزب سياسي واعلنت ان زعيمها سيترشح للرئاسة.. وسرعان ماتراجعت ولكن شاركت في الانتخابات ولم تحصل على شيئ يذكر وكان يتم فض تجمعاتها لانها منبوذة.
¤ اذا استطاعت الحكومة السودانية، نزع سلاح الجنجويد في اقل من عام وتسريح آلاف كما فعلت نظيرتها الكولومبية.. واعتذر حميدتي علنا ولم يمنح اي سلطة تنفيذية.. اعتقد قد يقبل السعب السوداني بالاتفاق معه.
¤ ومهما يكن من امر.. لكن قبل الاتفاق فان قصة قوة زعماء كولومبيا والاتفاق الذي ابرموه مهداة الى جنرالات السودان !!.