الخرطوم: الرواية الأولى
كتب : صديق دلاي
فاجأنا معالي السفير «فيصل بن حامد معلا» بكتاب مرجعي نادر، به جهد خرافي، وتفاصيل دقيقة لحياتنا، وهو يطوف السودان بقلم تاريخي، وأمانة عالية، ينجز عملا عظيما، ومن الواضح أن سنوات المعلا في السودان، كانت مليئة بالعمل والمثابرة؛ ليخرج بهذا العمل المهم والكبير، وهو يوثق الحياة السودانية الجغرافية والتاريخ، من الإهداء إلى المقدمة والخاتمة، كل شيء موزون؛ من أجل الأجيال والتاريخ، وهو يهدي عمله التوثيقي إلى طلاب المعرفة، وأسرته الكريمة، والشعب السواني، تعبيرا عن محبة موثقة.
وتظل محتويات كتاب «ضفاف النيلين» زاخرة بالمعلومات المهمة، والفن العجيب، والمختارات الذكية للصور، من الناس والنيل، من الجو، مع أبيات أمير الشعراء «أحمد شوقي». وجاء شكره وتقديره لشقيقه، ولمعالي السفير «محمد ماء العينين» سفير المملكة المغربية بالخرطوم، وعميد السلك الدبلوماسي، ولأصدقائه من الشعب السوداني، وهو ملخص مليء بالوفاء والتجرد.
كما جاءت مقدمة عميد السلك الدبلوماسي بمشاعر دافئة، ولغة رفيعة، يضع فيها الكتاب بأهمية كبيرة، امتدادا للعمل الدبلوماسي الرسمي، وتعبيرا عن الامتنان للشعب السوداني، كما سطر «ماء العينين» روح «المعلا» وهو يتواصل مع طوائف المجتمع السوداني؛ تأكيدا على تلك الرغبة، وذلك الهدف الكبير.
«ضفاف النيلين» جهد كبير، جمع تفاصيل مشتتة، ثم وضعها في سياق توثيقي تاريخي عن تاريخ السودان القديم والحديث، ثم القبائل والطرق الصوفية، وحتى الأحوال السياسية، وحالة الاقتصاد، وكيف يعيش الناس ثقافة وطريقة تفكير، وموارد بشرية هائلة، ومناخ ومزاج السودانيين، في وسط هذا التاريخ، وتلك الجغرافية. ولم يترك شاردة أو واردة، بتفاصيل مؤكدة؛ يوفر معلومات عن رؤساء السودان منذ نيله الاستقلال، ونوع النظام السياسي، والتقسيمات الإدارية، شارحا ومفسرا؛ ليضع النقط على الحروف، في سياق مفيد، ومحتوى زاخر بالتماسك اللغوي والتعبيري، بمرور على اللغات، واللهجات، والتقاليد، مستقاة من مصادرها الأساسية، ثم عرج «المعلا» إلى الاقتصاد، والموارد، وطبيعة الحياة السودانية، مقدما جهدا توثيقيا نادرا؛ يضع القارئ المحلي والدولي في حضور ذكي؛ ويبصره بطبيعة الحياة الاجتماعية، ومستوى الصناعة، والصحة، والتعليم، ووسائل الإعلام والاتصالات السلكية واللاسلكية، ثم النقل والثقافة والسياحة، بقلم خبير في طرح الأسئلة البحثية، ثم الإجابة عليها؛ ليكتمل القمر في سفر «ضفاف النيلين».
ولم ينسَ «المعلا» بيت القصيد، المتمثل في تاريخ العلاقات السودانية السعودية، من حيث الاتفاقيات والعلاقات المتراسخة بين الشعبين، وتاريخ الأخوة والحكايات المنثورة من الشارعين السعودي والسوداني، كلها تنطوي على علاقات راسخة، رسمية وشعبية، مليئة بالحكايات والقصص، لا سيما وأن فراسة السعوديين أعطت السودانيين حقهم المؤكد والمستحق، من حيث شغل وظائف تعتمد عن الأمانة العالية، ولذا كان السودانيون يليقون بها، كما عبر معالي السفير «علي يوسف» في كتابه الذي سيُنشر قريبا، وقد وضع العلاقات في طورها الحقيقي، وكيف أن الموظفيين السودانيين في المملكة العربية السعودية كانوا خير سفراء شعبيين.
ولم ينسَ معالي السفير «فيصل معلا» في طواف مكتمل على ولايات السودان، تضاريسها، وتاريخها، وناسها، وما يميز كل ولاية من موارد وتفاصيل اجتماعية وثقافية وتاريخية. وكانت الخاتمة موجزة، وليكون “ختام المسك” بسيرة ذاتية زاخرة بالإنجازات والتجرد لصالح على المستويين الشخصي للمؤلف والرسمي متمثلا في الجسور الراسخة الممتدة للعلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية السودان، بهذا الجهد الكبير الزكي المتجرد لصالح الشعبين دوما وأبدا.
ثم جاء ذكر المراجع والمصادر، زينة علمية ومنهجية، تؤكد أن «ضفاف النيلين» عمل متقن بتأكيد من سفير فوق العادة، تفوَّق على المعتاد، ووضع بين أيدينا هذا المنجز الأدبي التوثيقي العظيم.
والأكثر جمالا، مشاركة أسرة «المعلا» الكريمة عن طريق كريمته؛ لتضع من يد فنانة بخط عربي حديث ومبتكر، عنوان الكتاب، تصميما ورؤية؛ لتؤكد أن هذا الجهد ينطوي على مبادرة مكتملة، سعدنا بها أيما سعادة، وستكون مبادرة فاتحة لباب التأليف التوثيقي لكل سفير في العالم؛ أن يوثق الحب والواجب، تأليفا رائعا، كما قدّم «المعلا» بمنجزه الرائع «ضفاف النيلين». إنه عمل استثنائي أنيق، أنصح باقتنائه؛ لكونه إضافة مُهمة للمكتبة العربية.
جدير بالذكر، أن الكتاب قد شارك بفاعليات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021/2022 وكذا معرض الرياض الدولي للكتاب، وحقق أصداء طيبة للغاية.