اطروحته لنيل الماجستير كانت تحت عنوان “فن الخداع الإستراتيجي ” .. ما زال التحليل مستمراً : كيف يفكر البرهان…؟
كتب : محرر الشئون السياسية
تكتنف شخصية الفريق أول البرهان الكثير من الغموض والتناقض وعدم الثبات على المواقف كأنما يسير في متاهة مظلمة، مما يربك المشهد الداخلي والخارجي معاً، فتارة يظهر بشخصية الرئيس الذي لا يأبه بسيادة البلاد وغير المبالي بتدهور أوضاعها العامة أو الجنرال الضعيف الذي أضاع هيبة الجيش السوداني، ويحرك ذلك أطماع القوى الخارجية بقرب تحقق مشروعها، ويغازل أشواق قوى الحرية والتغيير بالعودة إلى السلطة على أكتاف الجنرال، ولا تمر أقرب مناسبة ليظهر عكس ذلك ويكرب (قاشه) ويقدم تصريحات هادئة واثقة تعكس مدى إلمامه وإمساكه بخيوط اللعبة السياسية، فتنتفش في الجانب الآخر روح أنصار النظام السابق ويدقون طبول النصر بقرب سحق أصدقاء السفارات، ثم تهدأ هذه العواصف لتعاود من جديد في مناسبة أخرى.
يمكن التكهن بتفسيرات معقولة حول كيفية تفكير الجنرال البرهان رغم أنه شخصية بطيئة وحذرة وكتومة ويعظم المخاوف ويضع من الاحتمالات أسواها ولا يستجيب للاستفزازات أو ردود الأفعال ويعمل بدون مطبخ سياسي أو مستشارين ولا يحبذ الاجتماعات التي تؤطر مسار القرارات وتفرض عليه سلسلة إجراءات والتزامات.
يتبع البرهان تكتيكات ما يعرف بالمبادأة السلبية للتعامل مع تعقيدات المشهد السوداني، بمعني الامتناع عن القيام بأي فعل بل توظيف ردود الأفعال وتوجيهها لصالحه، وذلك أشبه بإستراتيجية الضباع في الصيد حيث لا تبذل الضباع جهداً في مطاردة الفرائس بل تنتظر الظفر بفرائس الآخرين والاستفادة من أخطاء اندفاعهم أو الإنهاك الذي تسببه المطاردات، وتعتبر هذه الإستراتيجية من أفضل السبل للتعامل مع المشهد السوداني الحالي بتعقيداته الداخلية وتداخلاته وتدخلاته الخارجية، فلكل محاولة يقوم بها البرهان لتشكيل المشهد لتجد رد فعل مضاد لها بحكم التقاطعات وتضارب المصالح، لذلك يختار وضع السكون الذي لن يهتم خلاله إلا بالاطمئنان على الاوضاع داخل الجيش حيث يحرص أن تستتب الامور وألا يفاجأ بتفلت بعض قيادات الجيش في ظل بطء وتردد الجنرال البرهان.
أمام البرهان عدد من المؤثرين في المشهد ولا يمنحونه فرصة المناورة المريحة وعلى رأس هؤلاء الدعم السريع الذي يحاول مساواة كتفه بالجيش وبعض قوى الثورة ممثلة في المجلس المركزي للحرية والتغيير التي تجاهد لإبعاد المكون العسكري عن المشهد والعودة إلي السلطة مرة أخرى والكتلة الديمقراطية المسنودة من أنصار النظام السابق وأخيراً القوى الإقليمية والدولية التي تمثلها الآلية الثلاثية ودول الرباعية.
يضع كل هذا الزخم البرهان أمام سيناريوهات أولها إما الاستمرار في مسار قرارات 25 أكتوبر ببسط سيطرة المكون العسكري على المشهد كاملاً إلا أن ذلك يستعدي قوى الثورة المسنودة خارجياً وقد لا يجد ترحيباً من قوات الدعم السريع مما قد يوسع الشقة بينهما ويدفعها حد المواجهة المسلحة في ظل تأثير الضغوط الإقليمية والدولية المساندة للدعم السريع والأخرى الرافضة له، السيناريو الثاني وهو الاستمرار في مسار الاتفاق الإطاري الحالي إلى نهايته إلا أن ذلك يستعدي الكتلة الديمقراطية بكافة مكوناتها الرافضة للمسار بما فيها حركات الكفاح المسلح وكتلة الشرق والأحزاب الكبيرة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وبعض الإدارات والكيانات الأهلية المسنودة من قواعد الإسلاميين، السيناريو الأخير وهو سيناريو انسداد الأفق والانهيار والفوضى وحينها سينقض الجنرال البرهان على الجميع ويطبق خطة المبادأة السلبية وتحويل الفوضى لفوضى خلاقة عبر الخداع الاستراتيجي الذي ظل يمارسه طوال الفترة الانتقالية، إذ سيظهر حينها بمظهر المنقذ من الانهيار ولن تلومه القوى الإقليمية أو الدولية على سيطرته على الأوضاع ويجد ذلك سانحة ذهبية ليبسط الجيش سيطرته على الدعم السريع. لعل هذا السيناريو الفوضوي الأخير والذي سيمثل ساعة الصفر للبرهان والذي نال درجة الماجستير في دراسته العسكرية ببحث مميز كان عنوانه (فن الخداع الاستراتيجي) تتعدد أسبابه وتراكمت مؤشراته على المشهد الحالي بالبلاد من انهيار اقتصادي واجتماعي ووضع أمني آيل للانفجار إما نتيجة للصراعات القبلية أو التجاوزات التي يمكن أن يتسبب فيها انفلات بعض منسوبي حركات الكفاح المسلح والدعم السريع أو حتي منسوبي بعض القوات النظامية الأخرى بشكل يجعل الانحيازات المهنية أو الجهوية وقوداً لهذا الانفجار.