الرأي تقارير

مطالب استبدال رئيس البعثة الأممية في السودان.. الأسباب والتداعيات

سمر إبراهيم *

تطور جديد شهدته الساحة السودانية عقب مطالبة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الأمم المتحدة بتغيير مبعوثها لبلاده “فولكر بيرتس”، لعدة اعتبارات ذكرها في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

أبرز تلك الاعتبارات الذي ذكرها البرهان في رسالته أن “فولكر شجع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي” على التمرد، وأنه لا يساعد بتنفيذ تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)”، وممارسته التضليل في تقاريره بزعمه أن هناك إجماعًا حول الاتفاق الإطاري”.

وحسب قراءة المشهد العام في السودان، هناك أسباب مباشرة بشأن مطلب استبدال رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس، فضلًا عن تراكمات لدى قيادة القوات المسلحة السودانية ومكونات مختلفة من القوى السياسية بشأن ممارسات الأخير، منذ وصوله إلى السودان عام 2021.

من هو فولكر بيرتس؟

تقول السيرة الذاتية لفولكر بيرتس – حسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة – أنه يتمتع بخبرة تمتد لخمسة وعشرين عامًا في مجال الأكاديميا والأبحاث والعلاقات الدولية والدبلوماسية، بما في ذلك في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى خبرة كبيرة في مجال حل النزاعات والشؤون الجيوسياسية الإقليمية.

وعمل بيرتس في الفترة بين عامي 2005 وحتى سبتمبر 2020، رئيسًا تنفيذيًا ومديرًا للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية الذي يشغل فيه حاليا منصب مستشار رفيع المستوى. وبين عامي 2015 و2018، عمل مساعد للأمين العام ثم كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا، بما في ذلك رئيس مجموعة الدعم الدولية لمجموعة العمل المعنية بوقف إطلاق النار، نيابة عن الأمم المتحدة.

وكان باحث ورئيس إدارة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية بين عامي 1992 و2005. وبدأ حياته الأكاديمية في منصب أستاذ مساعد بالجامعة الأمريكية في بيروت بين عامي 1991 و1993. ويحمل بيرتس درجتي الماجستير والدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة دويسبيرغ الألمانية. ويتحدث اللغتين الإنجليزية والعربية بطلاقة.

كيف وصلت بعثة “يونيتامس” إلى السودان؟

في مطلع عام 2020، تقدم رئيس الوزراء السوداني السابق الدكتور عبد الله حمدوك، بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لإنشاء بعثة أممية سياسية في السودان تحت “الفصل السادس” من ميثاق الأمم المتحدة، وبحسب ذلك الخطاب فإن مهمة تلك البعثة تنحصر في دعم مفاوضات السلام وإنفاذ الوثيقة الدستورية في البلاد.

كان المكون العسكري في البداية غير راضٍ عن مطلب الدكتور حمدوك، وكان يرى أنها نوعًا من محاصرة القوات المسلحة عبر قرارات يمكن أن يصدرها مجلس الأمن ضده، فيما كان يرى حمدوك أنها نوعًا من الدعم الشخصي له كرئيس وزراء مدني للسودان بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام مستبد.

وعقد مجلس الأمن والدفاع المشترك في السودان اجتماعًا عاجلًا ناقش فيه مطلب الدكتور حمدوك، حيث اعتبر مطلبه “شاذًا” فقليل من الدول التي تطالب بنفسها بفرض الوصاية الدولية عليها، كما هوجم طلبه من العديد من القوى السياسية بمختلف مرجعياتها، واصفين وجود البعثة بـ “المستعمر الجديد”، حيث هاجم حزب الأمة القومى (أقدم الأحزاب التاريخية في السودان) طلب حمدوك واصفين إياه بـ “خرق الوثيقة الدستورية” (الموقعة عام 2019 بين المكون المدني والعسكري)، ولكن تحت ضغوط الدكتور حمدوك تمت الموافقة مع تعديل خطابه للأمم المتحدة وتقليص صلاحيات البعثة.

 وبناءً على حالة عدم الرضا من جانب المكون العسكري، تم تشكيل لجنة فنية تنفيذية بهدف إحكام التنسيق بين الحكومة وبعثات الأمم المتحدة بمسمياتها المختلفة، ومنها بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال بالسودان “يونيتامس” وترأسها الفريق بحري مهندس إبراهيم جابر.

مهام بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”

في الثالث من يونيو عام 2020، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2524 (2020)، والذي أنشأ بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”، وهي بعثة سياسية تختص بتقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي لمدة 12 شهرًا بشكل مبدئي. وفي الثالث من يونيو عام 2021 تبنى مجلس الأمن القرار 2579 (2021) والذي يقضي بتمديد تفويض يونيتامس لمدة 12 شهرًا إضافيًا وحتى 3 يونيو عام 2022. وفي الثالث من يونيو من نفس العام جدد مجلس الأمن الدولي مرةً أخرى تفويض البعثة لعام آخر وحتى الثالث من يونيو ٢٠٢٣ وفقًا للقرار الذي يحمل رقم 2636 (2022).

وحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة، أكد أن البعثة عبر مقرها في الخرطوم ستقوم بتقديم الدعم للسودان، من خلال العديد من المبادرات السياسية والتنموية وتلك الهادفة لبناء السلام، وبما يتضمن تقديم العون للسودانيين في تحقيق أهداف وثيقة الإعلان الدستوري لشهر 2019، وتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين. وتتضمن الغايات الاستراتيجية للبعثة ما يلي:

  • المساعدة في الانتقال السياسي، والتقدم باتجاه حكم ديمقراطي، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان واستدامة السلام، بما يستجيب للأهداف رقم 5 و10 و16 و17.
  • دعم مسارات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، بما يستجيب للأهداف رقم 8 و10 و11 و13 و12 و16 و17.
  • تقديم العون لبناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون، وعلى وجه الخصوص في دارفور وفي المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق)، بما يستجيب للأهداف 5و10و11و16و17.
  • دعم إتاحة المساعدات الاقتصادية والتنموية، وتنسيق المساعدات الإنسانية من خلال ضمان نهج تكاملي لوكالات الأمم المتحدة والتمويل والبرامج المتاحين من خلالها؛ ومن خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية بما يستجيب لجميع أهداف التنمية المستدامة.

ومن خلال مساعيها الحميدة، وتقديم العون التقني والعمل الحثيث مع فريق الأمم المتحدة القُطري  الذي تتكامل معه، ستقوم يونيتامس بالتركيز على الغايات الاستراتيجية التالية “دعم الاستقرار السياسي، الدعم في صياغة الدستور والانتخابات والتعداد السكاني، دعم الإصلاحات المؤسسية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، دعم التوصل إلى عملية سلام شاملة، دعم تنفيذ اتفاقية السلام، الدعم في تعزيز البيئة الحمائية وعلى وجه الخصوص في مناطق النزاع وتلك التي شهدت نزاعات سابقًا، الدعم في تحقيق التعايش السلمي والمصالحة بين المجتمعات، الدعم في مضمار توفير العون الدولي في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، دعمُ إنشاء هيكلية وطنية للتخطيط التنموي وفاعلية المساعدات، الدعم في إنجاز عملية سلام شاملة”.

الهدوء الحذر لتواجد البعثة

عقب مرور 8 أشهر فقط من وصول البعثة إلى الخرطوم، اتخذ قائد الجيش الفريق أول البرهان قراراته الشهيرة التي عٌرفت باسم “قرارات 25 أكتوبر” عام 2021، والتي أطاح فيها بالحكومة المدنية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، وفض الشراكة بين المكون المدني والمكون العسكري، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وهو الأمر الذي وصفته القوى المدنية وبعثة “يونيتامس” بـ”الانقلاب العسكري” مما أعتبره الجيش آنذاك “عدم التزام بمبدأ الحياد”.

وفي مطلع عام 2022، أعلن المبعوث الأممي للسودان عن إطلاق مشاورات سياسية لحلحلة الأزمة في البلاد بتسيير من الأمم المتحدة، الأمر الذي قوبل في بدايته بفتور من القوى السياسية التي أطيح بها، وكذلك كان نفس الأمر من قِبل قادة المكون العسكري بشقيه (الجيش والدعم السريع)، ولطالما كان فولكر بيرتس هدفًا سياسيًا لهما، كما أن مختلف القوى السياسية كانت ترى أن مبادرة فولكر ضعيفة ولن تحدث اختراق حقيقي، حتى تطورت إلى تشكيل الآلية الثلاثية بإشراك الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (منظمة الإيجاد) مع الأمم المتحدة، وهي الآلية التي قادت المشهد السياسي في السودان حتى اندلاع الحرب في البلاد في منتصف أبريل الماضي.

انحراف البعثة عن مسار مهامها

سعت البعثة إلى تسيير مشاورات سياسية تنهي الأزمة الخانقة في البلاد بين المكون المدني والعسكري، ولكن سرعان ما تحول الأمر إلى انحياز المبعوث الأممي فولكر بيرتس إلى قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير، حيث تم إقصاء العديد من القوى السياسية الأخرى عن المشهد مما أثار غضبهم تجاهه واتهموه بالانحياز وعدم الشفافية في إدارة حوار شامل.

في سياقً متصل، خلال حفل تخرج دفعات جديدة في الكلية الحربية وجامعة كرري، طالب البرهان المبعوث الأممي، بأن يكف عن “التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية، والتدخل السافر في الشأن السوداني، وبأن ذلك سيؤدي إلى طرده من البلاد”. وكذلك قام “الإسلاميين” بتنظيم مظاهرات أسبوعية حول مقر بعثة “يونيتامس” في الخرطوم، مطالبين بطرده وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.

فيما هدد ناظر قبائل الهدندوة، ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وعضو الحرية والتغيير / الكتلة الديمقراطية، “سيد محمد الأمين ترك”، أكثر من مرة بالانفصال إذا استمر فولكر في إقصاء الجميع من المشاورات السياسية التي يتم إجراؤها، آنذاك، هذا فضلًا عن اعتراضه على دعم “مسار الشرق” الذي يتضمنه اتفاق “سلام جوبا” الموقع في أكتوبر 2020، حيث طالب بإعلان منبر تفاوضي تنفيذًا لمقررات مؤتمر سنكات وإلغاء “مسار الشرق”.

ولكن مع تجاهل تلك الاعتراضات على أداء البعثة، وأيضًا تجاهل المبادرات الوطنية التي تم طرحها لمعالجة الأزمة بتنظيم حوار “سوداني – سوداني”، والضغوط التي مارسها المجلس المركزي للحرية والتغيير بدعم من رئيس البعثة الأممية وأطراف دولية أخرى، تم التوقيع على الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، بين قوى المجلس المركزي للحرية والتغيير وأحزاب مدنية أخرى تحالفت معه، مع المكون العسكري بشقيه “الجيش والدعم السريع”، فيما تم رفضه من قبل “الحرية والتغيير/ الكتلة الديمقراطية، الشيوعيين – التيارات الإسلامية – لجان المقاومة – وحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل“. ومن ثم لم يكن هناك إجماع وطني حول الاتفاق الإطاري، كما كان يدعي المبعوث الأممي في تقاريره أمام مجلس الأمن.

وفي سياقً آخر، أشار مراقبون للمشهد السوداني، وقوى سياسية مناوئة للمجلس المركزي للحرية والتغيير، أن الأخيرة أصبحت حاضنة سياسية لقائد قوات الدعم السريع الذي بدوره طرح نفسه كداعم للقوى المدنية على تحقيق التحول المدني الديمقراطي، حيث ظل يغازل القوى الثورية والشارع السوداني بضرورة انسحاب الجيش من الحياة السياسية، وفي المقابل بادلته أطراف الحرية والتغيير غزلًا بغزل.

كل ما سبق ذكره أثار قلق القوات المسلحة السودانية، مما عزز حدة الصراع الخفي بين الجيش والدعم السريع، بشأن دمج قوات الأخير في الجيش وصولًا لجيش وطني موحد يحمي مصالح الأمن القومي السوداني بعيدًا عن أي انتماءات سياسية أو قبلية، مما أدى إلى اندلاع الحرب التي دخلت شهرها الثاني على التوالي. ومن ثم كانت تشير أصابع الاتهام السودانية دومًا إلى أن بعثة “يونيتامس” تسعى نحو إشعال التوترات السياسية بها.

الأسباب المباشرة لمطلب البرهان باستبدال المبعوث الأممي

هناك عدد من الأسباب التي تقف وراء مطالبة البرهان باستبدال فولكر بيرتس ويمكن إيجازها كالتالي:

أولًا: التراكمات السياسية نتيجة ما سبق ذكره.

ثانيًا: الضغط الذي يمارسه ناظر قبائل الهدندوة، ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، وعضو الحرية والتغيير / الكتلة الديمقراطية، “سيد محمد الأمين ترك”، على قيادة البلاد بطرد فولكر بيرتس، أو يحدث ما هو غير متوقع تجاه الأخير وبعثته التي أصبحت مقيمة في مدينة “بورتسودان” (شرقي البلاد) عقب اندلاع الحرب في الخرطوم، مما يدخل السودان في أزمة دبلوماسية مع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الكبرى.

ثالثًا: عدم إشارة فولكر في تقريره الأخير الذي عرضه أمام مجلس الأمن، إلى خروقات وانتهاكات قوات الدعم السريع، مما أعتبره الجيش أنها مساواة بينه كقوات نظامية وبين الميليشيات المتمردة.

إجمالًا، يشير الوضع الراهن إلى مخاوف وقوع أزمة دبلوماسية بين السودان والأمم المتحدة في حال إصرار البرهان على مطلبه، لا سيما في ظل تمسك الأمين العام للأمم المتحدة بوجود فولكر بيرتس في منصبه بالسودان.

  • باحثة متخصصة في الشأن الأفريقي
  • • نقلاً عن ( المرصد المصري )

اترك رد

error: Content is protected !!