يُقال أنَّ أحد اللوردات الإنجليز تَنبَّأ فى العام ١٩٣٩م بأنَّ الحرب لَنْ تَقوم ، ونَشَر فى جريدته الديلى إكسبريس مانشيت ضخم يقول : ( لنْ تقوم الحرب ) .. وبعد أشهرٍ قلائل مِنْ تِلك النُبوءة قامت الحرب العالمية الثانية التى خَلَّفَتْ دَمَاراً لا مَثيلَ له ، وأُنتِجَ فيلماً عنها بعد توقفها حيث حَرِصَ المخرج الإنجليزى بعد أنْ عرض على الشاشة منظر قتل الملايين وتدمير المدن ونسف الجسور وغرق بواخر الركاب حَرِصَ على أنْ يُصَوِّرَ بين مناظر الغرقى جريدة الديلى إكسبرس وهى تَطفو على سطح البحر وكُتِبَ عليها المانشيت الذِّى يقول : ( لنْ تقوم الحرب ) .
وها هو عامٌ كامل قد مَرَّ على بلادنا ولا تَزال وتَيرة الإنتهاكات مِنْ قِبَلْ المليشيا تَزدَادُ تصَاعُداً ، ودائرة التَحدِيَّاتْ الوجودية لبلادنا وأهلها تَزدَادُ إتساعاً ، والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والسياسية تَزدَادُ تَعقيداً .. فهنالك جهاتٍ عديدة تَسعى لتفكيك الدولة السودانية ومِنْ ثمَّ تحويلها لدولة فاشلة تحكمها العصابات والمليشيات وتكون الكلمة الفصل فيها لِمَنْ يَمتَلِك القوَّة المُدجَّجة بالسلاح القادم مِنْ الدول ( الشقيقة والصديقة ) الداعمة لها إنْ لم تَتَّخِذ الدولة مِنْ التدابير السياسية والعسكرية والأمنية التى تَحفَظُ لنا بلادنا مِنْ الضَيَاع وتحفَظَنا مِنْ ذُلَّ اللجوء والمنافى ..!!
والتوصيف الدقيق لهذا الصِراع الذى دفع ثمنه المواطن المسكين هو أنَّه حَرَابَة وقطعٌ للطريق قبل أن ْيكون حَرْباً بين قوتين عسكريتين ، فضلاً عن كونه صِراعاً بين الحَقّ الذِّى يُمَثِلَّه أهل السودان بمختلف مشاربهم وبين الباطل الذى تُمَثِلَّه المليشيا الإرهابية وكلابها القادمة من عُمقِ الصحراء لتَتَسَلَّطُ عليهم بقوة السلاح وتَقتُلْ مِنهم مَنْ تَقتُل وتَنهَبْ مَنْ تَنهَبْ وتَسبى من تسبى وتُخرِجَ النَّاس من دورها وديارها قسراً ، ورحم الله شهداء الكرامة والإرتهان لمصلحة الوطن وجعل الجنة مثواهم ومتبوأهم فحرىٌ بمِثلِهم أنْ يُخَلَّدوا ..
فإنطلاقاً من قراءة الواقع وبحثاً عن المستقبل الآمن الذى سنقضى فيه بقية حياتنا وتعيش الأجيال القادمة حياتها كلها فيه ، وأداءًا للأمانة نقول إنحيازاً لهذا الشعب العظيم المُعَلِّم الذى تهاوى كل الطغاة الذين حاولوا قهره ، وتحطمت طلائع الزحف الجنجويدى الغادر على أسوار قيادة قواته المسلحة ، والذى إستعصى على كل محاولات الإفناء والتهجير والتدجين والمسخ والإذلال .. أنه مهما حاولت المليشيا الإرهابية من تحويل أرضه الطيبة المباركة إلى ساحة للنزال والقتال ملؤها الجثث ، وتحويل سماؤه الصافية الجميلة إلى سماء ملبدة بغيوم الحزن والدماء والدموع ودخان المحرقة والخراب ، ومهما أخفى أبواق الكهنوت الجنجويدى قبحه وسوء توجهه فى الفضاء المفتوح وفى الفضائيات ستظل بلادنا عَصِيَّة على الأعداء رغم المعوقات التى تؤخر التقدم الواعى والحضور الفاعل للدولة السودانية فى ميادين الحكم والرعية كالجهل بالمصلحة العامة والإرتهان لمبدأ الموازنات القبلية والإنصياع لها قسراً وجبراً وجعلها أساساً لوضع السياسات العامة لإدارة الدولة والتعيين فى المواقع التنفيذية بدلاً عن جعل القوة والأمانة والشفافية معياراً وحيداً لذلك .
وللأسف الشديد أنَّ نُخَبنا التى أدمنت الفشل كما قال منصور خالد لم يكن لها دوراً إيجابياً فى إحتواء الأزمة السياسية التى أودت بنا إلى الحرب قبل إستفحالها ، وبدلاً من أن تكون فرجاً ومخرجاً إرتأت أن تكون فى مقاعد المتفرجين .. وحتى الأحزاب السياسية على بؤسها وهوانها على المرتزقة لم تُوفَّق لتحسين الأداء السياسى والإرتقاء بمستواه ليكون جامعاً مانعاً نافعاً ، وإختارت أن تكون تابعاً ذليلاً للمليشيا الإرهابية ، وأصبحت كرباً وضيقاً على أهل السودان الذين لا مخرج لهم من الخروج من هذه المحنة إلاَّ بالوعى الكامل بمصالحهم الإستراتيجية والعمل على تحقيقها بعد سحق المليشيا وإزالتها من أرض النيلين ومحوها من ذاكرة الأمة .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
———————————
الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠٢٤م