إستنارة / العبيد أحمد مروح

إعلامنا في زمن الحرب

العبيد احمد مروح

العبيد أحمد مروح



في اللحظة الراهنة، تدور في عالمنا ثلاث حروب نشطة؛ بلغ عمر الأولى ثمانية عشر شهراً، وهي حرب روسيا على أوكرانيا، وبلغ عمر الثانية سبعة أشهر، وهي الحرب في السودان، وأكمل عمر الثالثة شهره الأول وهي الحرب التي تخوضها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ضد دولة الإحتلال الإسرائيلي.

تدور الحروب الثلاث، في ثلاث قارات مختلفة من قارات العالم، فالأولى في أوروبا والثانية في أفريقيا والثالثة في آسيا، وتبعاً لهذا الإختلاف الجغرافي تختلف الحروب الثلاث عن بعضها من حيث طبيعة الشعوب التي تتأثر بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتختلف من أبعادها الجيوسياسية ومن حيث موازين القوى بين أطرافها، وبالتالي أنواع الأسلحة المستخدمة فيها، وتختلف من حيث حيازتها على الإهتمام الدولي، فضلاً عن اختلافات أخرى كثيرة لست هنا بصدد بحثها.  وبمثل ما توجد اختلافات بين الحروب الثلاث توجد أوجه تشابه، ففي ثلاثتها تعرض المدنيون والبنى التحتية والخدمية للضرر المباشر، إذ لم يسلم الأطفال ولا النساء ولا العجزة ولا المرضى من القتل المباشر بنيران أحد الطرفين أو التهجير القسري أو الموت البطئ بسبب القطع المتعمد للخدمات عنهم، فضلاً الأضرار المباشرة على الإقتصاد والتي يصعب تقديرها في الوقت الراهن.  

 لقد شكل الإهتمام الإعلامي بالحروب الثلاث، من حيث كثافة الإهتمام وتشكيل المحتوى ونقل الصورة والإلتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، بما في ذلك إستخدام المصطلحات وتسمية الأشياء وتصريحات الفاعلين الدوليين، ومن حيث تعاطي الأطراف المتحاربة مع مؤسسات الإعلام المحلية والعالمية، شكّل مادة دسمة تستحق أن يوليها الدارسون إهتماماً كبيراً ويُفردوا لها عشرات الدراسات، ليس فقط لتبيان حجم التحيز السياسي والانحراف المهني الذي وقعت فيه كبريات المؤسسات الإعلامية الدولية، ولا ما فضحته الحروب الثلاث – وخاصة الحرب في فلسطين المحتلة – من إزدواجية للمعايير الأخلاقية التي قيل أنها تحكم النظام الدولي، وإنما أيصاً لتبيان كيف قام كل طرف من الأطراف المنخرطة في القتال بتوظيف الإعلام لخدمة غرضه أو فضح خصمه، وإلى أي حد نجح هذا الطرف أو ذاك في كسب تعاطف الرأي العام المحلي والعالمي لصالح قضيته، وبأي قدرٍ أحسن توظيف الإعلام ليكون أحد أسلحته في المعركة السياسية التي هي جزء لا يتجزأ من المعركة العسكرية.

    حين أتأمل مطولاً فى الحالات الثلاث، بالتركيز على  الدور الذي أدَّاه ويؤديه الإعلام في المعركة، وكيفية إدارة مؤسساتنا المعنية لهذا الأمر، وأقارن ذلك بالكيفية التي أدارت بها فصائل المقاومة الفلسطينية معركتها الإعلامية – ومع الأخذ في الاعتبار كل أوجه الإختلاف التي أشرت إليها في المدخل – أشعر بحزن عميق كون دولتنا أدارت معركتها الإعلامية بإسلوب القرن التاسع عشر في الوقت الذي نعيش فيه عصر الإنفجار المعرفي وتعدد الوسائط وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يخفف من حزني إلا اجتهاد نفر من الزملاء الإعلاميين الذين لم يكتفوا بالفرجة وإبداء الأسف، وإنما بادروا متصدين للتزييف الذي يمارسه المتمردون معتمدين على “مصادر مجهولة”، فأصبحوا هم أنفسهم “مصادر موثوقة” تنقل منها الوسائط الإجتماعية، ويصدقها الناس !!

   السودانيون أصحاب قضية عادلة، يقاتل فيها جيشهم  المسنود بشعبه، نوعاً جديداً من التمرد الهمجي المتوحش، تسبب في أن يُوقع على شعب السودان  ظلماً كبيراً، وتعرض المواطنون جراء ذلك لانتهاكات جسيمة من أدعياء الحرية والديمقراطية، وقد كان بالإمكان أن تدير دولتنا المعركة الإعلامية بكفاءة تعادل أضعاف ما تفعله، لو أنها أدركت فعلاً لا قولاً أن الإعلام هو أحد أمضى أسلحة الحرب في زماننا هذا، لقد كان بإمكانها أن تحصِّن الصف الوطني ضد زيف الدعاية التي يبثها المتمردون، وأن تجلب إهتمام أحرار العالم بقضيتنا، وتكشف زيف مَن يتآمرون مع بني جلدتنا طمعاً في الاستحواذ على ما عندنا، وتبين زيف مَن يتاجرون بأرواح شعبنا ومعاناته من أبنائه الذين باعوا ضمائرهم للخارج.

 لا أقول أنه يمكن إدراك ما مضى، لكن تدارك بعض أوجه القصور الظاهرة ما يزال ممكناً، خاصة وأنه بعد فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات جدة، تأكد بما لا يدع مجالاُ للشك، أن الحرب التي يخوضها جيشنا، مسنوداً بشعبه، هي حرب تحرير وليست شيئاً بخلاف ذلك، تحرير للإرادة الوطنية من هيمنة قوى إقليمية ودولية تريد أن تنهك جسد السودان بحرب متطاولة، وتجره من بعد ذلك  فريسةً إلى موائد اللئام، وليس أمام مسؤولينا عذرٌ بعد اليوم أن يلزموا الصمت ويؤجلوا دور الإعلام في معركة التحرير والكرامة الوطنيين.

اترك رد

error: Content is protected !!