وصل انجمينا، أمس الأول، الفريق أول حميدتي، بعد أن غادرها أول أمس، الفريق أول البرهان.
لا توجد إجابة للسؤال المشروع حول تسابق أو تنافس رئيس المجلس السيادي ونائبه الأول على زيارة تشاد سوى وجود خلافات عميقة حول إدارة ملف العلاقات بين السودان وتشاد، وبينه وأفريفيا الوسطى، بجانب الملف الليبي، وهي مناطق صراع نفوذ إقليمي ودولي، أصبحنا جزءاً منه بقدرة قادر؛ لجهة الخلافات التي تضرب عصب إدارة الدولة داخل المكون العسكري.
الحديث ونقيضه ..الموقف وعكسه، بين البرهان وحميدتي، لا جديد فيه، فهو أمر معلوم للكافة، رغم محاولات الإنكار.
لطالما تحدث الناس عن مظاهر الخلاف بين الرجلين، عشرات الكتابات والتقارير على مستوى الصحافة المحلية والدولية أشارت إلى تباين المواقف بينهما، هذا بخلاف المنشور على السوشيال ميديا التي جمعت بين الحقيقة والخيال .
المواقف التي كانت تبدو متماسكة، وكأنها تخرج من مطبخ واحد سرعان ما انهارت، وكشر كل واحد عن أنيابه تجاه الآخر، مستنداً على مراكز قوة داخلية وخارجية.. ودخل الرجلان في مرحلة كسر العظم بشكل واضح ومفضوح.
منذ قرارات يوليو العام الماضي التي أصدرها البرهان بانسحاب المكون العسكري من المفاوضات السياسية، وإفساح المجال للقوى المدنية لتتفق فيما بينها على تشكيل الحكومة، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة، برزت الخلافات على المكشوف إذ إن حميدتي كان يقود المفاوضات مع المدنيين من خلال مبادرة السفارتين الأمريكية والسعودية التي انطلقت بحضور مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية مولي فيي، في يونيو.. البرهان انتهز فرصة غياب حميدتي في دارفور وحدث ما حدث.
من وقتها يحاول حميدتي أن يثبت ولاءه لقوى الحرية والتغيير، حتى لو كان ذلك على حساب الموقف الرسمي لمجلس السيادة الذي يمثله كنائب أول..
مواقف التماهي هذه ظهرت بصورة جلية عندما وصف حميدتي قرارات البرهان في 25 أكتوبر بأنها انقلاب، وليس تصحيحاً . وصرح قائلاً: (لقد أخطأنا سياسياً) وأقر بفشل الحكم العسكري منذ تولي الجيش السلطة؛ الأمر الذي دفع بالبرهان لانتقاد نائبه بصورة علنية، ودافع عن قراراته بالقول ..هذه وجهة نظره ..لكن عندما أقدمنا على الخطوة كنا مقتنعين بضرورتها.
البرهان يعلن فشل وساطة بين قحت المركزي، وقحت الكتلة الديمقراطية، فيدخل حميدتي عبر أخيه عبد الرحيم بديلاً في أقل من 24 ساعة ،ويخرج صندل بتصريح يؤكد نجاح الوساطة بنسبة 95% ثم تصدر الكتلة بياناً ينفي .
حميدتي يلعب في الوقت الراهن على توطيد علاقاته مع قوى الحرية والتغيير .. يحاول تعديل الصورة في الداخل، بعد أن فقد حلفاء كثراً بالخارج .أصبح حميدتي رجل الدولة الأول المنفذ لمتطلبات قوى الحرية والتغيير بصورة واضحة . ووجدت قحت ضالتها في الرجل الذي يحارب نيابة عنها الحركة الإسلامية، ويقطع الطريق أمام عودتها للمشهد السياسي .. كثيرون يعتقدون أن خطابات حميدتي الأخيرة كانت بقلم ياسر عرمان.
إذا كانت القاهرة أكثر العواصم العربية بعداً في المواقف تجاه حميدتي وقوات الدعم السريع ، فإن السعودية لم تعد في أمس الحاجة لخدمات دقلو، كما كان سابقاً، خاصة مع اتجاه محمد بن سلمان للتسوية السياسية.. كما لم يعد لديه موقع في الإمارات بسبب علاقات حميدتي مع روسيا، وتصدير الذهب، وملف فاغنر .
الاتحاد الأوربي أوقف خدماته الخاصة بمحاربة الهجرة غير الشرعية، وفقد الرجل أكثر من (200) مليون دولار.
الآن الحبل يلتف حول عنق تحركاته في غرب أفريقيا ، خاصة في أفريقيا الوسطى وتشاد .
بعد اتهام قواته بالتدخل في أفريقيا الوسطى، سارع حميدتي باتهام جهات داخلية بتغيير نظام بانقي ارتدت أزياء الدعم السريع، وخططت للعملية ..البرهان نفى وجود مخطط من داخل السودان ..
الأخطر في مردود زيارة البرهان الأخيرة لتشاد التي جاءت بدعوة رسمية من الرئيس دبي، هو الاتفاق على تعزيز القدرة العملياتية للقوات التشادية السودانية المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية التي تزيد من التوتر في المنطقة الحدودية للبلدين من خلال علاقات مباشرة في الدفاع والأمن، وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين أجهزة الأمن في البلدين، واتخاذ إجراءات قوية تجاه تهريب الأسلحة، وتفعيل القوة المشتركة بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى لمكافحة انعدام الأمن بين الدول الثلاث.
قوة التنسيق بين البرهان ودبي للمرحلة القادمة تكمن في الاختيار الدقيق للوفد المرافق، الذي ضم بجانب وزير الخارجية، مدير المخابرات الفريق أول إبراهيم مفضل، ورئيس الاستخبارات العسكرية، محمد صبير.
ما يحدث بين الرجل الأول والثاني في الحكومة الآن ليس مجرد خلاف سياسي بين كيانات حزبية لها الحق في الاختلاف وتباين الرؤى ، لكنه خلاف حول قرارات مصيرية في الدولة السودانية خلافات لاشك أنها تقود باتجاه الهاوية.
واضح جدا أن الرئيس دبي أراد ان يبلغ حميدتي رسالة محددة وواضحة وجها لوجه، دون ان يكتفي بالبيان البرتوكولي المشترك الذي صدر عقب اجتماعه مع البرهان وهو بيان موجه للاعلام.
//