تقارير

« أفرو نيوز 24 » توضح الأسباب وتتوقع النتائج : القاهرة تؤكد استمرار مساعيها لتقريب وجهات النظر بين فرقاء السودان . أنباء عن عقد ورش سودانية – سودانية قريبا في مصر

القاهرة: صباح موسى

مازالت أصداء المبادرة المصرية التي تدعو لتوسيع المشاركة السودانية تلقي بظلالها على الداخل السوداني، ومابين مؤيد ومعارض للمبادرة، مازالت الخرطوم تعيش حالة من الشد والجذب بين الفرقاء السودانيين ، ولم ترسي سفينة الإستقرار السوداني حتى اللحظة على بر تنطلق من خلاله المرحلة الإنتقالية في نسختها الثانية، فما هي الأسباب التي تجعل البعض ينظرون إلى الموقف المصري على أنه معوق للأزمة، ولماذا يرون أنه جاء متأخرا لقطع الطريق على التسوية السياسية واتفاقها الإطاري، بغية اشراك حلفائها في هذه العملية… « أفرونيوز 24 » توضح في التقرير التالي الأسباب وتقرأ واقع الحال السوداني الذي طال استقطابه حدود الوطن الخارجية.

الإقتراح المصري

بداية جاءت المبادرة المصرية قبل نحو أسبوعين، بما يمكن أن نطلق عليه (مقترحا) لتقريب وجهات النظر بين الذين وقعوا على الإتفاق الإطاري من مجموعة الحرية والتغيير وعددا من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمكون العسكري (الجيش وقوات الدعم السريع)، وبين الذين يتحفظون على الإتفاق، ويصفونه بأنه صنيعة خارجية تعلي من شأن فئة على فئة أخرى، وكان طبيعيا أن يلاقي الإقتراح المصري تحفظ من جانب مركزي الحرية والتغيير في البداية، وعدم استحسان محاولة مصر في جلوس جميع الفرقاء في مائدة مستديرة لتقريب الهوة بينهما على أراضيها، في حين رحبت به القوى التي لم توقع من الحركات المسلحة والكتلة الديمقراطية والحزب الإتحادي الأصل وعدد كبير من تيارات سودانية مختلفه، تم اقصاؤها من العملية السياسية الجديدة.

اتهامات للمبادرة

الاتهامات التي طالت المبادرة المصرية بعد ذلك انحسرت في أنها تقطع الطريق على الحل السياسي الموجود الآن في البلاد، وأنها جاءت لمناصرة حلفائها في المشهد السياسي، علاوة على إيجاد موقع لمصر ما بين الوسطاء الإقليمين والدوليين، الذين يراهم البعض بأنهم سبقوا القاهرة كثيرا في عملية التحول الديمقراطي في السودان، كما استبقت بعض الجهات التي لا تريد دورا مصريا في السودان باشاعة أن القاهرة صرفت النظر عن مقترح جمع الفرقاء السودانيين بالقاهرة، وذلك بعد الدخول بشكل فعلي في ورش ومنتديات العملية السياسية الجديدة، وتدشين المرحلة النهائية منها في الثامن من يناير الجاري.. فما هي الحقيقة؟

استمرار المساعي

القاهرة من جانبها أكدت على استمرار مساعيها الحثيثة لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية بالسودان.

 وكشفت مصادر مطلعة -وفق موقع الرواية الأولى- بالخرطوم، عن عقد ورش عمل سودانية – سودانية بالقاهرة خلال الفترة المقبلة، نافيه مايتردد ببعض وسائل الإعلام عن تجميد مصر لمساعيها في هذا الصدد، موضحه أن دعم خيارات الشعب السوداني لتحقيق طموحاته، ومنها أهداف ثورة ديسمبر المجيدة هي الغاية لمصر حكومة وشعبا. 

من جانبها أكدت مصادر عليمة بالقاهرة لـ (أفرونيوز 24)، أن مصر مستمرة في مساعيها لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في السودان، وأنه من المتوقع أن تكون (شرم الشيخ) مقرا لملتقى الفرقاء السودانيين قريبا.

ترحيب مصري سعودي

يأتي هذا في الوقت الذي أعربت مصر والسعودية عن ترحيبهما بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في السودان من توافق وتوقيع على وثيقة الاتفاق الإطاري، وتطلعهما بأن تسهم هذه الخطوة في تحقيق تطلعات الشعب السوداني.

 وشددت القاهرة والرياض في البيان الختامي الصادر في ختام اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي المصرية السعودية على مستوى وزراء الخارجية الذي عقد قبل أيام بالعاصمة السعودية الرياض ، على أهمية دعم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في السودان، وذلك انطلاقاً من اقتناع راسخ بأن أمن واستقرار ورخاء السودان يعد جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار كل من السعودية ومصر في ظل التقارب الجغرافي بين البلدين والسودان.

توضيح للمبادرة

وفي الأثناء أوضح السفير المصري بالخرطوم هاني صلاح لدى لقائه الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني قبل أيام أن اللقاء تناول أهمية الزيارات المتبادلة للمسؤولين بالبلدين بما يدفع العلاقات الى آفاق أرحب، وقال ” إن اللقاء تطرق للمبادرة المصرية التي تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية، وإنه تم الاتفاق علي أهمية توضيح عناصر المبادرة بصورة أكبر وأوسع للدوائر الرسمية والشعبية.

 ولفت السفير المصري إلى أن المبادرة المصرية تأتي في إطار الدور المصري الذي يهدف الى تعزيز وحدة وإستقرار السودان وتحقيق مصالحه وتسهيل الحوار السوداني السوداني، مضيفا سنعمل خلال المرحلة القادمة على توضيح كافة جوانب المبادرة المصرية للتعرف علي الهدف الحقيقي من ورائها.

 كما أكد السفير هاني صلاح في لقائه مع الدكتور الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السوداني قبل يومين على اهتمام مصر بدعم كافة الجهود التي من شأنها تحقيق الاستقرار في السودان، مشيراً إلى الارتباط الكبير بين مصالح الدولتين وأمنهما القومي، وتناول اللقاء التطورات ذات الصلة بالعملية السياسية في السودان في أعقاب التوقيع على الإتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، وتدشين المرحلة النهائية في 8 يناير الجاري، وتطرق السفير هاني صلاح إلى الاتصال الهاتفي بين الوزير سامح شكري وزير الخارجية المصري والوزير علي الصادق وزير الخارجية السوداني وما تضمنه من تأكيد على دعم مصر للسودان واهتمام بمتابعة أعمال اللجان المشتركة لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام.

تشويش مقصود

يأتي حديث البعض داخل السودان على أن مصر جاءت لقطع الطريق على التسوية السياسية الموجودة حاليا بالسودان، في إطار التشويش (المقصود) على أي دور مصري يصب إيجابا لصالح العملية برمتها، والدليل على ذلك أن القاهرة لم تأتي من جانبها باتفاق مكتوب جديد، دعت إليه القوى السياسية المختلفة، يلغي بموجبه الإتفاق الإطاري، ولكنها جاءت بمحاولة لتقريب وجهات النظر في الرؤى المختلفة بما فيها الإتفاق الإطاري نفسه والذي رحبت به فور توقيعه ، كما رحبت بتدشين العملية السياسية المنبثقة عن هذا الإتفاق، وقد يكون الرد الصحيح على هذه الإدعاءات بأن القاهرة لم ترد أن تقطع الطريق، بل أن الجهات التي لا ترغب مشاركة الآخرون في العملية السياسية بالسودان هي التي تريد أن تقطع الطريق على المبادرة المصرية، كي لا تحقق مساعيها في توسيع المشاركة السياسية بالبلاد.

لم تكن بعيدة

أما بشأن أقاويل أن القاهرة أتت متأخرة وتريد أن تجد لنفسها مكانا قبل إتمام العملية السياسية الجديدة بحتمية اشراك حلفائها في الداخل السوداني، فهذا أيضا مردود عليه، فالقاهرة لم تكن بعيدة أبدا بأي حال عن الواقع السوداني، وحاولت بكل الطرق لملمة شتاته باتصالات مباشرة وغير مباشرة، وبالتنسيق مع الوسطاء الإقليمين والدوليين، وربما كان سوء التقدير في عدم دخولها بشكل مباشر في الآليات الخارجية المختلفة في الآلية الرباعية على وجه الخصوص ( السعودية- الإمارات- أمريكا- بريطانيا)، لكن يبدو أن وجهة النظر المصرية الرسمية كانت ترى مدى هشاشة وحساسية الواقع السوداني، فلم ترد الدخول فيه بشكل مباشر حتى لا تزيد من هشاشته، وبخصوص أن أهداف المبادرة المصرية المتأخرة جاءت لاشراك الحلفاء فهذا أيضا مردود عليه، حتى لو فرضنا أن هذا الإدعاء صحيحا، فكيف يكتب النجاح لهذه العملية السياسية الجديدة بالسودان والحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني خارجه، وأيضا الحركات المسلحة الموقعة على سلام جوبا وعلى رأسها حركتي العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، لاسيما وأن الإتحادي الأصل الموقع على الإطاري يبدو أنه جاء بشكل فردي من نجل الميرغني الحسن وليس باسم الحزب كله.

غاية التوفيق

وبخصوص توقع نجاح اللقاء السوداني السوداني بالقاهرة، فمصر حريصة عليه كل الحرص، أما في حالة عدم انعقاده فلن تتوقف الإتصالات المصرية عن لملمة الفرقاء السودانيين سواء على أراضيها أم داخل السودان، فغاية القاهرة هنا التوفيق بين الفرقاء وليس الفرقعة الإعلامية للحدث بداخلها، وليست الدعوة المصرية للحرية والتغيير وقادة الحركات المسلحة قبيل البدء في مفاوضات السلام بجوبا وبين الحرية والتغيير ببعيدة، فقد نجحت القاهرة في عقد ورشة لمدة أسبوعين بمنتجع العين السخنة في سبتمبر من عام 2019، وقوى نداء السودان أيضا، كما نجحت في لقائهما بالحرية والتغيير في القاهرة، صحيح أن الحرية والتغيير وقتها أتت على (مضض)، وصحيح أن الإجتماع لم يصل إلى النتائج المرجوة منه، إلا أن القاهرة حاولت ولم يثنيها إذا كانت مفاوضات السلام على أراضيها أم لا، واستمرت في دعم جوبا كمنبر للعملية السلمية، وقامت بالتنسيق مع جنوب السودان أثناء جولات التفاوض التي لم تغب عنها، ووقعت كضامنة على الوثيقة النهائية له في أكتوبر 2020، أما في حالة نجاح المساعي المصرية بعقد هذه الورش السودانية التي أعلنت عنها، فمن المتوقع أن ترحب بها قوى الحرية والتغيير التوافق الوطني بما فيها الإتحادي الأصل والحركات الموقعة على سلام جوبا، ولن يكون حزب الأمة ببعيد عنها، علاوة على ترحيب المكون العسكري على عقد هذه اللقاءات، وربما وجدت باقي أحزاب الحرية والتغيير المجلس المركزي (الحرج) وقتها في عدم حضور هذه الإجتماعات، لكن يبقى هل هذه القوى من مركزي الحرية والتغيير ستأتي للقاهرة بنية الوفاق فعلا، أم أنها ستأتي لمجرد اثبات الحضور وإثبات الفشل أيضا؟ هنا ربما يكون في لقاءات القاهرة قبيل اتفاق الوثيقة الدستورية إجابة شافية، والذي حضرته وقتها قيادات من الحرية والتغيير المركزي على رأسها عمر الدقير وعلي الريح السنهوري ومدني عباس، ومن تابع هذه اللقاءات عن قرب كان قد تأكد من المواقف المسبقة لهذه الإجتماعات، والغريب وقتها هي شكوتهم المتكررة بعد الخروج من أي لقاء من ياسر عرمان الذي كان وقتها مع الحركات المسلحة، فكان مهندسا أيضا لهذه اللقاءات، وكانوا يتهمونه بالغلو في المطالب، في المقابل كانت شكوى الحركات من أن قادة الحرية والتغيير لا يريدون اتفاقا، وانهم جاءوا فقط لاثبات الحضور، وعند الوصول لأي إتفاق يتحججون بأنهم لابد أن يعودوا لقيادات المركزي في الخرطوم، وأنهم غير موفوضين للوصول لإتفاق نهائي، لدرجة أن الحركات المسلحة كانوا يعربون عن أنهم لم يتوقعوا أبدا من الرفقاء في الحرية والتغيير هذا الموقف المتشدد، ولم يتوقعوا ذلك بالخصوص من العم على الريح السنهوري.

خلاصة المشهد

الخلاصة أن المبادرة المصرية جاءت في وقت مهم، لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في السودان والتي تصب ايجابا لصالح مرحلة إنتقالية مستقرة تقود لتحول ديمقراطي سليم، ينتج عنه إستقرار للسودان كله، ينعكس بدوره على الأمن القومي المصري، وأنه من الطبيعي أن تجد هذه المبادرة تحفظات وربما رفض من بعض القوى، لأنها تقع في غير مصلحتها الذاتية، وقدر الدور المصري أن يدخل في هذا الاستقطاب السوداني الحاد، وينبغي ألا يؤثر ذلك على المساعي المصرية، طالما أن الغاية المنشودة هو الإستقرار وتحقيق إنتقال يدعمه الأغلبية المؤثرة بالبلاد، وقد يكون هناك مصالح دولية وإقليمية في السودان تمثلت في المبادرات المختلفة، لكن هذه المصالح لا يمكن أن تتخطى الدور المصري لتأثيره وفعاليته في الداخل السوداني، كما ينبغي ألا ينظر للدور المصري من خلال مبادرته بأنه تدخل في الشأن السوداني، فلو أرادت القاهرة ذلك لفعلته منذ البداية بطريقة مباشرة، خصوصا وأن مصر لديها علاقات وطيدة مع كل الفرقاء بالسودان، وحتى الذين يتحفظون الآن، لا يمكنهم إنكار دور مصر وأهمية علاقاتها الاستراتيجية مع السودان، وعليهم أن ينظر للمشهد برؤية استراتيجية لا يمكن ابعاد مصر فيها، كما يحسب للقاهرة أنها لم تأتي بمكتوب فرضته على السودانين للتوقيع عليه، ولكنها جاءت للتقريب بين وجهات نظرهم من أجل المصلحة العليا للسودان. 

اترك رد

error: Content is protected !!