مدونتي / حسن فضل المولي

أغْلِق فَمَكَ و لا تكن أحْمَقاً ..

حسن فضل المولي

حدثني أنه أسرَّ لمن يثق فيه بأمرٍ
ينوي الإقدام عليه ، فإذا به يسبقه
عليه و يتركه ملوماً محسوراً ..
قلت له كثيراً مايحدث ..
و قليلاً ما لا يحدث ..
فكثيرون أُخِذوا و فُجعوا من حيث
أمِنوا و آمَنوا ..
و ( من مأمنه يُؤتَى الحَذِرُ ) ..
و يعني فيما يعني ، أن الأذى و الخطر
قد يأتيانك ممن تأمن إليه و تثق فيه ..
و يأتيانك من أقرب المقربين ..
و يأتيانك من ذوي مودتك الخُلَّص الميامين ..
و يأتيانك ممن كنت تُقْسِم و أنت
تُسِرُّ إليه أن سرك سيبقى في ( الوَتِين ) ، أي في نياط القلب .. و معلوم بالضرورة أن الإنسان لا
يُحدِّث بخاصة شئونه و شجونه ،
إلا ذوي مودته من الأقربين ، لا
الأبعدين ..
و على هذا جُبل الإنسان و فُطر ،
أن يتخير من يشاركه وقائع حياته
و تفاصيلها ،
ما يسر منها و مايسوء ،
ما ظهر منها و ما بطن ..
لذا فمن الطبيعي أن يُؤتى من
قبل هؤلاء فتكون الحسرة أكثر
إيلاماً و مرارة و وجعاً ..
( و ظُلمُ ذوي القربى أشدّ مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند )
و إفشاء الأسرار ، أو التحدث بما
لا يجوز في حق الآخر ، من نقل
أو كشف أخباره و خبيئته ، هو
السبب الرئيسي في تحول معظم الصداقات إلى عداوات بغيضة
و مقيتة ..
لذا ، لا تفْش سرَك إلا إليك ..
كن به ضنيناً ..
و كتوماً ..
و من راودك بحجة أن سرك في
( بير ) فقل له إن ( البير ) موردٌ
مُتاحٌ تغترف منه الدِلاء ، ليلاً
و نهاراً ، دِلاء ( السابلة ) من كل
فج و ناحية ..
و ( الدِلاء ) ، جمع ( دَلُو ) ، و هو
إناء يُستخرج به الماء من البئر ..
و ( السابلة ) هم العابِرون ..
لا تضمن أحداً أبداً ، فإن نبي الله
( يعقوب ) ، أمر ابنه ( يوسف ) ،
عليهما السلام ، بأن لا يقصص
رؤياه على من هم بعضه ..
( قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ
إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ
ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) ..

مرة نصحت إحداهنَّ بأن تأخذ
حذرها من ( فلان ) هذا ، و لا تُطْلِعهُ
عليها ، و قد رأيت من إقبالها عليه
بلا كابح و لا عاصم ، و سبَّبْتُ ذلك
بأنه يتحدث عمن سبقتها بسوء ،
مُفشِياً بكل ما علم من أمورها ،
الأمر الذي سيحْدُثُ معها
لا محالة ، لأن ( من يؤذي مرة
يؤذي ألف مرة ) ..
و إذا أردت أن تقَيِّم أحداً فانظر
إليه كيف يذكر الآخرين ، فالذي
يتَقَصَّى عند الآخرين النقائص
و العيوب ، هو سيء جداً ، فاجتنبه ،
و الذي يُكثر من ذكر الآخرين بخير
فهو خيِّر ٌجداً جداً ، فعاشره ..
و على ذلك فقس ..
فقالت لي ( مستحيل ) ..
و ما استجابت و أعارتني أذناً
صماء ..
و بعد أيامٍ معدودات أصبح
( المستحيل ) يومها في نظرها ،
ممكناً و عاجلا ، فانقلب عليها ..
و قال فيها ،
ما فيها ،
و ما ليس فيها ،
فاستبانت نُصْحِي لها ضُحى ،
الغد ، و لسان حالها ..
( العُشرة اللهانت
يا ريتها ما كانت ) ..

و إنه ( الاندهاش ) .. لا تشتطوا في ( الاندهاش ) ..
تَعَقَّلوا و تريثوا و تماسكوا ، عند ( الاندهاش ) ..
( اندهاشك ) بشخص هو الذي
يجعلك ( تَتَعرَّى ) أمامه ..
و أعني ( بالتعري ) هنا أن تتبرع
بلذة ، طائعاً مختاراً سعيداً بكل
ما خفي من أشيائك ..
يعني ( تَنْدَلِق ) ..
و ( دَلَقَ )الشيء أخرجه سريعاً ..
فلا ( يَنْدَلِقَّنَّ ) أحدكم و هو في
سكرة ( الاندهاش ) ..
و ليجعل كل واحد منا في صدره ،
خِزانةً عصِيِّة الرِّتاج يُودِعُها خالصة
شئونه و أحواله ، و كلما يخصه هو ،
و هو وحده ، دون سواه ..

إذن ..
لا تلقي بأشيائك على قارعة الطريق ،
و إن فعلت فلا تلومَنَّ ألا نفسك .. و أوصيكم و نفسى بما أوصانا
به أحدهم ..
( لا تكن أحمقاً ..
تشتري منزلاً
أغلق فمك ..
تتحصل على وظيفة
أغلق فمك ..
تتعرف إلى من تحب
أغلق فمك ..
تنوي السفر
أغلق فمك ..
أنت على موعدٍ مُهم
أغلق فمك ..
رأيت من قومٍ أمراً عجباً
أغلق فمك ..
تريد أن تُقْدِم على مهمة
أغلق فمك ..


السبب في اجهاض أحلامنا ، وهي
قريبة التحقق
هو أننا نفتح أفواهنا
بوقت مبكر
للأشخاص الخطأ
في الوقت الخطأ
كنا مخطئين بمشاركة نجاحنا مع
أشخاص يدعون أنهم أصدقاء ..
تذكر أن الحسد و الغيرة كافية
لبعض الناس ليؤذونك و يمزقون
أحلامك ..
لذا أغلق فمك ..
غالبية أصدقائك يريدون رؤيتك
تعمل بشكل جيد
لكن ليس أفضل منهم أبداً
لا تكن أحمقاً
و أغلق فمك ) ..
هل باستطاعتنا أن نفعل ذلك ؟
إذا فعلنا سلِمنا
و إن لم نفعل نَدِمنا ..
و لا يعني ذلك ، بأي حال من
الأحوال ، أن الأمر بهذه الصرامة ،
و لكن الاحتياط و اجب في ظل
هذه الحيثيات ..
و إن أضعف الإيمان أن لا تفعل ،
إلا مضطراً ، أو لمنفعة ترجوها
من وراء ذلك ، أو دفع ضرر ..
و ليكن في وعيك اختيار التوقيت
الصحيح و الشخص الصحيح ،
بعد تثبت و تدقيق و تمحيص ،
و هذا فيما لا يجوز البوح به و يلزم
التكتم عليه من أسرار
و خصوصيات ..


لكن ..
هناك أشياء يجب أن تقال
لكل الناس ،
و أشياء لا بأس من أن تقال
لكل الناس ،
و أشياء تقال لبعض الناس ..

اللهم هذه حيلتنا فيما نقدر عليه ،
فماذا نصنع إذا برغمنا تفشى
السر و ذاع الخبر ..
( حبيبة عمري تفشى الخبر
وذاع و عمَّ القرى و الحضر
وكنت أقَمْتُ عليه الحصون
وخبأته من فضول البشر
صنعت له من فؤادي المِهادَ
ووسدته كبدي المنفطر
ومن نور عيني نسجت الدثار
ووشيته بنفيس الدرر
و من حوله كم شبكت الضلوع
فنام غريراً شديد الخفر
قد كنت اعلم ان العيون
تقول الكثير المثير الخطر
فعَلَّمتُها كيف تخفي الحنين
تواريه خلف ستار الحذر
فما همَسَتْهُ لأذن النسيم
ولا وشْوَشَتْه لضوء القمر
ولكن برغمي تفشى الخبر
و ذاع و عم القرى و الحضر ) ..
التوقيع ..
الشاعر ( الحسين الحسن ) ..
الفنان ( عبد الكريم الكابلي) ..
و السلام ..
حسن فضل المولى ..
١٧ فبراير ٢٠٢٤ ..

اترك رد

error: Content is protected !!