ليمانيات / د. إدريس ليمان

أسئلة العار وأجوبة الخُذلان ..!!

بَعدَ الغِياب بعد الليالى المُرَّة فى حُضنَ العذاب .. عادَ الحبيب المنتظر عوداً حميداً مُستطاب ..!! هكذا إنطلقت الأبواق البائسة والمنتفعة بالغناء ، والجوقة الموسيقية من العازفين المهرة بالضرب على أوتار النفاق إحتفالاً بعودة سيَّدها وولى نعمتها تُدافع عنه وتُهاجم شانئيه وتتوعد وتُهدد من يكتب عنه سطراً حتى لايُفتضح أمره ولا يُكشف سِرُّه وهو المفضوح أفعالاً وأقوالاً ومواقف .. تظهر الريبة فى وجهه والخوفَ فى عينيه وفى لسانه وشفتيه .. يتلفتُ يُمنةً ويُسرة يكاد أن يقول خُذونى .. والله أعلم بالنوايا .. فتلك الزُمرة من المنتفعين جُبِلتْ على التبعية والسير مُغمضة العينين مقفلة العقل والتفكير خلف من يعلفهم كالقطيع ، وهم معذورون فى دفاعهم عن الرجل وإستماتتهم فى ذلك ، ومسحورون بسِحرِ ( الأخضر أبوصلعة ) ، ومربوطون بلجام المنفعة التى لايستطيعون عنها فكاكاً ولاتحويلاً ..!! فهؤلاء الذين يغتصبون الورق الأبيض وصفحات المواقع ويُحبِلوهَا بالأكاذيب ويسوِّدوها بالتمجيد لذلك الرجل الذى لن آتى بإسمه تَعَفُفَّاً وتأفُفَّاً إنَّما يفعلون ذلك تسديداً للفواتير وقضاءًا للدين فلا يعنينى أمرهم ولا تهديدهم للمجهول الذى جاء على سبيل التعميم .. ولكن الذى دعانى للكتابة هى تلك الصور التى ملأت الأسافير لِلذَّى جَبُنَ وخَانَ الأمانة وهرب حينما دَعَى داعى الفِداء وهو يُستَقبَل كأحد الأبطال وتُعَدُّ له الولائم وتُنحرُ له الذبائح حتى كاد أحد حوارييه أنْ يقول ( طلع البدر علينا من سلم طائرة تاركو ) .. وكنتُ أظن فى نفسى أن الرجل سيعتزل الناس ويعتذر لأهل السودان ويبكى خيبته وجُبنه بُكاءًا مُرَّاً أمام الملأ نَدَمَاً وحسرة ..!! أمَّا وإنه لم يفعل فإن وراء الأكمة ما وراءها ..!! بل رأيته وكأنى به يَتَسَوَّل التقدير الذى لايستحقه ويتصَنَّع الهيبة التى لاتشبهه .. ويحرص على نشر لقطات الإستقبال فى صالة كبار الزوار وأمام المائدة التى لن تكون عيداً لأوَّلِهم وآخِرِهم بَلْ سَتكون شؤماً عليهم ومادة دسمة للسخرية والإستهزاء والإزدراء والتندر على هذه المؤسسة العظيمة فى كل الوسائط للأسف الشديد .. كل ذلك ودماء أبطال الشرطة وشهدائها لم تجف من أرض السودان الأمر الذى كان فيه إستفزاز لمشاعر أُسر الشهداء والمصابين والأسرى .. فالغباء جُندٌ من جنود الرحمن ..
لم يطلب منه أحد وهو يومذاك مديراً عاماً ومكلفَّاً بمهام وصلاحيات وزير الداخلية ( والمسكين كان يَظُنَّ أنَّ هذا المنصب فقط لإعداد كشوفات التنقلات أسبوعياً والتَلَذُّذ برؤية قادة الشرطة يتنقلون من موقعٍ لآخر كل إسبوع .. ولإحالة كل من لايوافقه الرأى أويغض الطرف عن أعماله الصبيانية للتقاعد .. ولم يكن المسكين يدرى أنها أمانة ومسئولية سيسأل عنها صاحبها ) لم يطلب منه أحدُ من مرؤوسيه أن يكون شُجاعاً ورجلاً جَلدَاً حِينَما حمى الوطيس وأن يسحب سيفه من غِمده ويُشهره فى وجه عدو بلاده ويقارعه وجهاً لوجه ( فالشجاعة من أهم قيم الرجولة .. هكذا تُحدثنا السُنن الكونية ونواميس الطبيعة ) ..!! بل كانوا يأملون منه شجاعة الموقف ومواجهة الحدث بالرأى والتدبير وإصدار التعليمات المناسبة وجمع شتات القوّة .. بل ولبس لامَّة الحرب إن لزم الأمر .. فالمسئولية التى كانت عليه كبيرة وجسيمة ولكنه آثر الفرار وضيّع على نفسه وعلى الشرطة فرصة تأريخية لتحسين صورتها الذهنية أمام الرأى العام الذّى يَكِنّّ لها ولمنسوبيها كل الإحترام .. فالشجاعة المأمولة من ذلك الفَرَّار كانت فى الثبات على المواقف والإلتزام بالمبادئ وأخلاقيات المهنة ، وفى تأمين الناس وممتلكاتهم ، وحفظ الأمن وحفظ من يسوس ، ولكنه آثر التَخَفِّى والهروب من المسؤولية ورمى قناع الحزم الزائف وإنقطع عنه الوضوء عند أول إختبار حقيقى .. !! فالمسكين جمع بِشَرَّ ما يُجمع فى الرجل شُحٍّ هَالِع وجُبنٍ خالِع .. فمفاهيم الفداء والبطولة والتضحية تنتمى إلى مدرسة ومنظومة قِيمية لايُدرِكها الرجل ، وإنها أشياءُ لا تُشتَرى ولا يُلَقَّاها إلاَّ ذو حظٍّ عظيم .. فرَحَلَ الشهداء ( البطل عمر حمودة وصحبه الكِرام ) فى صمتٍ ونُبل وقدَّموا أرواحهم رخيصة على مذبح الحريَّة والعِزَّة والكرامة تاركين الأمانة للأجيال اللاحقة لتتخذ من تضحِيَّاتهم مثلاً أعلى ودرساً لا يُنسى فى الوطنية والفداء .. وأُصيب أبنائنا الفرسان النبلاء زرياب وصحبه الكرام وكادوا أن يفقدوا أرواحهم وآخرون كُثر لا نعلمهم والله بهم عليم .
لن نسأل الفَرًَار أسئلة العار لننتظر منه أجوبة الخذلان بل نسأله لنُحيلَه إلى محكمة الرأى العام لتقرر فيه .. فصباح الأبطالِ فَجْرٌ وصباح الجُبناء ليلٌ طويل ..!! فما قوله فى الفساد الإدارى الذى أسس له بتجاوز القوانين واللوائح والأعراف الشُرَطيَّة المرعيَّة فى التنقلات والترقيات والإحالات وفى سوء إستغلال السُلطة فى تعيين الأبناء والبنات والأصهار للعمل بالشرطة كضباط وفى البعثات الدبلوماسية كمنتدبين ( كما هو مبذولٌ فى الوسائط وتتناقله المواقع ) ..!!؟ وما قوله حول اللغط الذى أُثير حول نَزعه للسلاح النوعى والثقيل للإحتياطى المركزى وتسليمه للهالك قائد المليشيا قُبيل الحرب ( كما هو مبذولٌ فى الوسائط والمواقع ) ..!!؟ وما قوله فى جولته الأفريقية الطويلة للدول المُصدِّرة لعُربان الشتات وما قيل عن منحه الأرقام الوطنية لأولئك الأوغاد ونقل مديرالإدارة العامة السجل المدنى من موقعه ثم إقالته عند إعتراضه على الأمر لخطورته ( كما هو مبذولٌ فى الوسائط والمواقع ) ..!!؟ وما قوله ..!!؟وما قوله ..!!؟ وما قوله .. !!؟ فى كثيرٍ من الأسئلة التى ظل الرأى العام يسألها وينتظر من الفَرَّار الإجابة عنها ..
أمَّا أنا فلن أسأله عن هروبه المُذِل وإقالته العار التى تمت برسالة واتساب .. بل سأحكى له وللسامعين والقُرّاء حكاية من حكايا التأريخ للعبرة والإعتبار لازمت الخونة وإلتصقت بظهورهم كإلتصاق بعرة فى إست كبش .. فتقول الحكاية برواية الثقاة أنّ نابليون غزا مدينة فإستعصت عليه أسوارها المنيعة فيئس من فتحها وهمَّ برفع الحصار عنها حتى جاءه أحد ضباط حاميتها فسلّمها له ، وحين إنتهى نابليون من إحتلال المدينة جاءه الخائن فرمى نابليون صُرّة مالٍ تحت قدميه .. فقال الخائن لم أفعل ما فعلت من أجل المال وإنما لأنال شرف مصافحة الإمبراطور .. فردَّ عليه نابليون بإزدراء : لا أُصافح الخونة .. !! ( إنتهت الحكاية ) .. فالتأريخ لم يسجل فى صفحاته عبر كل العصور إشادة بخيانة ولا ترحيب بخائن لأنها فعل دنئ بحكم كل عقائد الدنيا وأعرافها وتقاليدها .. وأهمس فى أذنه قبل الختام بمقولة أحد فرسان القلم والسِنان : أبَى الوطنى إلاَّ أن يكون شجاعاً وأبَى الشُجاع إلاَّ أن يكون وطنياً .. وأبى الخائن إلاَّ أن يكون جباناً وأبى الجبان إلاّ أن يكون خائناً .. فالوطنية والشجاعة والخِيانة والجُبن متلازمتان .
هذا هو المبتدأ مرفوعٌ على أسِنَّة الحقيقة أمَّا الخبر فلم يأتى أوانه بعد .. !!
نسأل الله أن ينصر قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ويحفظ بلادنا وأهلها من كل سوء .

الأحد ٥ يناير ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!