الرأي

أبشري فاشر السلطان وقد صدق الصادق …


الفاشر (أبو زكريا ) (أداب العاصي ) – هكذا يحلو لسكان المدينة تسميتها – الفاشر التي عرفت بالتداخل والتصاهر و التكاتف والتآزر والتعايش بين مكوناتها التي تشمل جل قبائل وأنحاء السودان على مر السنوات ؛سعت المليشيا بكل ما تملك لنسف تعايش مكوناتها وتعكير صفو أيامها وتكدير حياة إنسانها ؛وتدمير بنيتها التحتية .
من (عالي السينما ) الذي يطل الزائر من ربوته الشاهقة على مشهد المدينة ومن خلفه قيادة الفرقة السادسة مشاة رمز الصمود و التحدي إلى الجنوب حيث (البحيرة) ومنتزه المروج والجناين ومدخل (أولاد الريف ) ؛وشرقهما الملعب الأولمبي واستاد النقعة وشمالهما أمانة الحكومة ومبنى البلدية و إلى الشمال منها محطة الاقمار الاصطناعية التي ضمت مؤخراً الإذاعة والتلفزيون وإلى الشرق منهما مستشفى الفاشر التعليمي ؛وتتجه شرقاً هبوطاً في طبوغرافية الأرض نحو (حجر قدو ) حيث الآبار التي كانت تسقي سوق الفاشر الكبير والى جوارها مقهى البنابر الذي كان يشكل ملتقى الأعيان والمثقفين مثل مقهى جورج مشرقي لأمدرمان ،والى جوار المقهى (المطبخ الشمسي ) الذي سبقت به الفاشر في استخدام الطاقة الشمسية المتجددة في الطهي في مطعم ضخم قبل بضع وثلاثين عاماً ،والى الشرق منهما ( المجمع الثقافي والرعاية الاجتماعية ) الضاجين بالنشاط وليس ببعيد عنهما أندية الهلال والمريخ والأهلي إلى جانب المدارس و السوق الكبير عاليه وأسفله .
هذه كانت تشكل حتى وقت قريب قلب المدينة النابض العامر بالحياة ،لكن تحولت هذه المساحات إلى مسرح للقتال تستهدفها المليشيا بالتدوين تارة وبالطائرات المسيرة أخرى وبمحاولات الاقتحام ثالثة.
صمدت الفاشر ببسالة أبنائها وحراسها من كل مجتمعاتها وقواتها المسلحة والمشتركة وكتائب المستنفرين والمجاهدين والمقاومة الشعبية وصدت الهجوم تلو الآخر حتى تجاوزت ١٨٠ هجوما مردودا على المعتدين بنصر مبين في كل مرة بفضل الله وحوله ثم بعزيمة الرجال وثبات الأبطال وقوة النزال والاستبسال ،وهذا هو ديدن الفاشر الذي عرفه عنها الشعب السوداني في العزم والحزم والحسم .

إن معركة السبت الأخيرة تجاوزت كل القيم والأعراف والخطوط الحمراء حيث تحول الهجوم على المدينة والذي تم صده من الجنوب الغربي والشرقي ومن الغرب مباشرة تحول إلى هجوم على المواطنين في منازلهم في محاولة للإختراق والتوغل فاغتالوا الكثير من المواطنين في مساكنهم مع سبق الاصرار والترصد .من بين هؤلاء فقدت الفاشر واحداً من أبنائها البررة وعلمائها الأجلاء ودعاتها القدوات ومعلميها الرساليين ؛الدكتور الصادق آدم عبد الله إمام وخطيب مسجد خاتم الأنبياء وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الفاشر الذي اغتالته المليشيا هو وشقيقه وهو يهم بالتوجه إلى المسجد لأداء صلاة الظهر .
حاشية :
ترجع معرفتي بالدكتور الصادق إلى العام الدراسي ١٩٩٥-١٩٩٦ م حيث كان أستاذي وأنا بالصف الأول الثانوي والمعلم المشرف على اتحاد طلاب المدرسة الذي كنت عضواً في مكتبه التنفيذي .وقد كان صادقاً كاسمه رقيقاً كالنسمة لا يعنف أحداً بل يصوب بأسلوب الداعية يوجه كأخ أكبر ويرشد دالا على مظان الخير والتقوى .تألفه من أول وهلة ،لكنه عند الملمات والخطوب صاحب صولات وجولات ومجاهدات .يشهد له بذلك طلابه في المرحلتين الثانوية والجامعية وآلاف المصلين الذين تتبعوا حلقاته .ظل منبره ومسجده منارة للعلم قبلة و ملاذاً للناس حين يشتد البأس .لا تتوقف دروسه اليومية عقب الصلوات ومحاضراته مستمرة في كل فروع الفقه والعقيدة تحت دوي المدافع .
أما خطبه المنبرية فهي بوصلة للحق والحقيقة وتبيان لرأي الشريعة في كل ما يدور دون مواربة تنزيلا للفقه على الواقع ،فلا يخشى في الحق لومة لائم يقيم على كل خارج على الامام الحجة وكل منفذ لمخططات أعداء الدين والوطن ينزله منزلته من فقه الولاء والبراء .
اللهم ارحم أستاذنا وشيخنا الدكتور الصادق وتقبله قبولاً حسناً وبارك في ذريته وعجل بالنصر المبين ؛وابشري يا فاشر السلطان فكلما كان الابتلاء عظيماً أعقبته البشريات ،وما نظن صدق دكتور الصادق قولاً وفعلاً حتى لقي ربه شهيداً إلا بشارة بأن الله ناصر الحق مهما علا الباطل وصال فمصيره إلى زوال .

اترك رد

error: Content is protected !!