وسائل التواصل الاجتماعي والسيطرة علي العقول: القابلية للاستهواء و الاستغفال الجماعي 2-2
يمكن القول أنه رغم فوائدها الجمة و تسهيلها للحياة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى سلطة أقوى من الحكومات والدول وهي ليست قادرة فقط على “تعبئة وتحريك المستهلكين بل الجماهير الانتخابية كما حدث في الانتخابات الأمريكية عام 2016 واقتحام الكونغرس الأمريكي في يناير من عام 2020م وكذلك استغلالها من بعض الجهات الإجرامية و سرقة البينات وسوء استخدامها للسيطرة علي العقول من خلال التلاعب بها و تسخيرها لأغراض شريرة ربما تكون سياسية، اقتصادية، اجتماعية، فكرية و دينية و للتحريض ونشر الكراهية. والتأثير علي الرأي العام.
السّيطرة على العقول عبر شبكات التواصل الاجتماعي
هنالك عدة حيل ماكرة يستغلها البعض للسيطرة علي بعض عقول مستخدمي هذه الوسائل و لأهداف في نفوس من يعمدون إلي ذلك. و من هذه الحيل الماكرة: الأخبار الملفقة أو المتجزأة، تحفيز القابلية للاستهواء والاستغفال الجماعي بحيث يتم ذلك عبر استخدام عدة تقنيات بعضها بسيط مثل الدبلجة أو الدبلوج وبعضها معقد مثل تقنيات التزييف العميق.
القابلية للاستهواء والاستغفال الجماعي
مدخل: القابلية للاستحمار مصطلح أورده المفكر الإيراني علي شريعتي في كتابه”النباهة والاستحمار” وجاء فيه أن حكام العرب والمسلمين يستحمرون شعوبهم باسم الدين وذلك بتجهيل الشعوب، ويستحمرونهم باسم العلم المزيف وذلك بشغلهم بسفاسف الأمور، وهذا خير مثال للسيطرة علي العقول. ولمحاربة ذلك، بأننا بحاجة إلى نوعين من النباهة -كما يري علي شريعتي- لحل هذه المعضلة، الأولى هي النباهة الإنسانية وهي أن تعرف قيمتك كإنسان والثانية هي النباهة الاجتماعية وهي أن تكون واعيًا بدورك في المجتمع.
علي نفس منوال القابيلة للاستحمار، أثارت وسائل التواصل الاجتماعي كوامن القابلية للاستهواء السالب –للسيطرة علي العقول-بسرعة انتشار هذه الوسائل و استخدام التقنيات البصرية والسمعية للتأثير علي متلقي الرسالة الإعلامية علاوة علي إمكانية تكييف هذه الرسالة لمخاطبة مختلف شرائح المجتمع في آن واحد. و القابلية للاستهواء عبارة عن حالة نفسية يصاب بها البعض وتعني تقبل وتصديق ما ينقله الغير من معلومات أو أفكار، دون نقد أو تمحيص، وهي تمثل حالة من الركود العقلى التام التى لا يسعى المصاب بها إلى التفكير ،بل يسلم دفة سفينته الفكرية للآخرين الذين يقودونه حيثما يشاءون، لذلك فهى فى علم المنطق،من ضمن العوامل الذاتية للوقوع فى خطأ التفكير والتقدير. و للتخلص من القابلية للاستهواء لابد من التحلي بالوعي الكافي لفهم وتحليل الرسائل الاعلامية و محتواها و مصدرها قبل تمريرها أو الحكم عليها.
غياب الوعي في حالة القابلية للاستهواء و غياب النباهة الاجتماعية في حالة القابلية للاستحمار يقودان إلي استغفال جماعي (سواقة بالخلا) يحدث بسبب كثافة تدوال الرسائل المضللة أو الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة -من أجل السيطرة علي العقول-دون النظر في فحواها و التعامل معها بوعي كافي يُمكن الفرد من تحديد مدي ضرر ما يمرره من رسائل وبالتالي اتخاذ قرار مناسب بشأنها. خير مثال علي هذا النوع من الاستغفال الجماعي (السواقة بالخلا) في السودان هو تداول الأخبار والمعلومات الخاطئة أو الكاذبة أو المضللة عما يجري في السودان من الأخبار السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الخ….. حتى أن المتابع لهذه الأخبار يكاد أن يصاب بالإكتائب من كثرة ما يسمعه من هذه الأخبار المحبطة و المقلقلة عن الأوضاع في السودان وسبب ذلك يعود لعدم وجود مصدر موثوق يركن إليه المرء لمعرفة الحقيقة في ظل عدم المعرفة بالجهات التي وراء هذه الرسائل و مقاصدها خاصة أن عند أهل الإعلام لكل رسالة مقصد وهو ما يعرف بالرسالة الإعلامية التي غالب ما تكون موجهة لخدمة أغراض معينة لخدمة جهات بعينها.
لا تكن مغفلا نافعا
في ظل هذا الاستغفال الجماعي يصبح الفرد الذي ينقل و يتداول مثل هذه الرسائل الموجهة والمغرضة لخدمة أهداف لجهات معينة دون وعي، مغفلا نافعا و هو مصطلح تاريخي أُستخدم إبان الحرب الباردة و أيام ازدهار الشيوعية و يُطلق علي غير الشيوعيين الذين يتأثرون بحملات الدعاية الشيوعية و يساهمون في نشرها من غير وعي. هذا وقد تطور المصطلح في عصرنا الحالي ليعني كل من يساهم في نشر أفكار أو دعايات سياسية أو أخبار دون الوعي بماهية مصادرها أو هدفها.
لمحاربة هذا الاستغفال الجماعي لابد أن يتحلي كل أفراد المجتمع بقيم المواطنة الرقمية والتي تعني مجموع القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطنون صغارا وكبارا من أجل المساهمة في رقي الوطن وحمايته ضد الأخطار التي تحدث بسبب الرسائل الإعلامية المضرة بالمصالح القومية ويتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون تمحيص. المواطنة الرقمية باختصار هي توجيه وحماية، توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها. أو باختصار أكبر هي التعامل الذكي مع التكنولوجيا خاصة أن استخدام الانترنت في السودان في ازدياد مضطرد حيث أشارت الإحصائيات إلي أن عدد مستخدمي الأنترت في السودان بلغ أكثر من 13 مليون مستخدم في عام 2021م أي تقريبا ما يقارب الـ 30% من سكان السودان حسب تقديرات عام 2021م.