زوايا المرايا / د. زينب السعيد

(من يقرأ يفهم) عش الدبابير سلسلة من البحوث والدراسات المهمة لفهم ما يدور من حولنا من مخططات. (من يقرأ يفهم)



الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل فى القارة الإفريقية

إن هنالك أهداف قديمة للإسرائيليين في أفريقيا تتمحور معظمها في إيجاد بيئة محيطة ببيئة الكيان الصهيوني تضمن له الوجود وتدعمه, وأن تكون له معيناً لا ينضب لما للقارة الأفريقية من مزايا استراتيجية وثروات بشرية وطبيعية, ولعل أهم الأهداف التي سعت إسرائيل لتحقيقها في القارة السمراء هو ضمان بقاء وجود إسرائيل وضمان أمنها، حيث وفرت لها البيئة الأفريقية مجالاً لكسر الطوق المفروض عليها سياسياً واقتصادياً من الدول العربية, والخروج منه إلى أفريقيا فى إطار سعيها لكسب الشرعية الدولية, حيث تشكل دول القارة الأفريقية وزن لا يستهان به فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى أهدافها في تطويق الأمن المائي العربي وتهديد أمن مياه النيل والسيطرة على الملاحة في البحر الأحمر عبر السيطرة على مداخله, كما تدخل قضية التأثير على اقتصاديات الدول العربية ضمن أهداف الدولة العبرية لعرقلة نمو الدول العربية، كما أن إسرائيل تسعى بكل قوتها لخلق إشكاليات بين العرب والأفارقة وتهيأت الأجواء فى أفريقيا لتأييد الكيان الصهيونى المتمثل فى دولة إسرائيل.
وبلاشك نجد أن القارة الأفريقية تشكل بعدا إستراتيجيا مهما ومجالا حيويا يمكن الدولة العبرية من الحصول على مكاسب اقتصادية كبيرة, عبر التبادل التجاري مع الدول الإفريقية, وإيجاد سوق كبيرة فيها لصادرات الصناعة الإسرائيلية وإستيراد المواد الخام, وتصدير طاقات العمل الفائضة لديها, ويرى الكثير من الباحثيين فى الشأن الإسرائيلى أن هذه الأهداف كانت ضمن أولويات السياسة الخارجية الإسرائيلية, لقد أصبح الوجود الإسرائيلى واقعاً في الشرق الأوسط كما أنه أصبح الآن يتمدد بارتياح فى القارة الإفريقية بغرض دوافعه التى تستهدف تطويق الوطن العربي, بغية التحكم في أمن الدول العربية والإضرار بعلاقتها مع الدول الأفريقية, وترى العديد من الدراسات أن نسبة كبيرة من سكان الكيان الصهيوني الحاليين قدمت من دول أفريقيا فى الحقبة التاريخية المتدة من عام 1948 م حتى عام 1970 م، وأن نسبة الوجود الأفريقي في الكيان الصهيوني حتى العام 1970 م تتراوح من 15% إلى 17% اى حوالى 85% من سكان إسرائيل, كما نجد أن الاستعمار الغربي للقارة الأفريقية وفر كل المعينات لإسرائيل لكى تتمكن من الدخول إلى داخل مستعمراته الأفريقية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, وإتاحة الفرصة لها للترويج لمشروعها الذى يستهدف إقامة دولة صهيونية.
ويرى الباحثون أن هناك خلفيتين حكمتا أهداف السياسية الخارجية الإسرائيلية في أفريقيا, الأولى تمثلت  في الخلفية المرتبطة بالأمن القومي لدولة إسرائيل, أما الثانية فتمثلت فى الهيمنة, وفي كتابه (إسرائيل إلى أين) قال ناحوم غولدمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية بين عامي 1956 م و 1968 م : “لقد أكد كل المفكرين الآخرين والآباء المؤسسين للصهيونية على الصفة الإنسانية والكونية لهذه الدولة بالقدر نفسه على صفتها الوطنية والخاصة، ولم يقم طموح هؤلاء المحركين الإيديولوجيين للحركة الصهيونية على إيجاد أرض غالبيتها من اليهود فقط حيث يصبح اليهود أسياد مصيرهم، بل استخدام هذه البقعة لتطبيق الأفكار الأساسية في التاريخ اليهودي”, ويضيف غولدمان : ” أن الخطر الكبير الذي تقع فيه إسرائيل هو نسيان صفتها الفريدة، إذ أنشئت في محاولة لخلق دولة وحيدة من نوعها، ومن المؤكد أن دولة إسرائيل لا يمكن أن تبقى إلا إذا شكلت ظاهرة لا مثيل لها في العالم “, ويؤكد ذلك الدكتور علي مزروعي حيث قال : “إن مؤسس الصهيونية واصل التفكير في أفريقيا على أنها امتداد لإسرائيل أكثر من كونها وطناً لليهود، ولما كانت هناك أعداد كبيرة من اليهود الذين أرادوا الاستقرار معاً في مناطق يستطيعون فلاحتها بأنفسهم ويسمونها وطناً مشتركاً فقد اعتبرت فلسطين مكاناً غير مناسب لكل اليهود الذين أرادوا الاستقرار معا بهذه الطريقة، ولذلك فإن هرتزل رأي أن شرق أفريقيا يعتبر مكاناً مناسباً للموجة الثانية من الاستعمار اليهودي لا الموجة الأولى, وهكذا نجد أن دولة إسرائيل أعطت أهمية لأفريقيا على فكرة التواجد اليهودي المكثف فى القارة الإفريقية, ومن هذا المنطلق يمكن تحديد أسباب أخرى لاهتمام إسرائيل بأفريقيا تتمثل في الآتى:

  1. الموقع الاستراتيجي للقارة الإفريقية حيث أنها تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي والمحيط الهندى, وبها أيضاً أهم ثلاثة مضائق لها تأثير فعال على حركة التجارة العالمية.
  2. محاصرة المصالح المشتركة بين العرب والأفارقة وتهديد الأمن المائى لدولتى مصر والسودان العربيتن عبر الوصول إلى منابع النيل.
  3. وجود جاليات يهودية كبيرة في عدد من الدول الأفريقية في جنوب أفريقيا، أثيوبيا، زيمبابوي، كينيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد قالت غولدا مائير عن أهمية وجود الجاليات : “أن على إسرائيل في مواجهتها للدول العربية داخل حدودها وعلى المسرح الدولي أن تبذل جهوداً فائقة لاكتشاف مسالك جديدة تمكنها من اختراق الحصار المفروض عليها فإن لها حليفاً مخلصاً وأخوياً في يهود العالم”.
  4. ربط الوجود اليهودي في أفريقيا بأرض الميعاد عبر الزيارات والجباية المالية كمقدمة لتوصيلهم نهائياً لإسرائيل، وقد عبر ليفي اشكول عن زيارة اليهود للدولة العبرية قائلاً: “نعمل معهم ليعود كل واحد منهم حاملاً معه شيئاً من روح إسرائيل وصدى منجزاتها وبهجة كلامها” وربما يفسر هذا هجرة اليهود الأثيوبيين (الفلاشا) بأنها خطوة لإعادة صياغة العلاقة الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين إسرائيل وأفريقيا على أطر جديدة بقوة بشرية جديدة لها انتماء لأفريقيا وإسرائيل, مثل السيدة بلاينيش زفاديا الدبلوماسية الإسرائيلية من أصل أثيوبى, ومن المتوقع فى السنوات المقبلة أن تقود النشاط الإسرائيلي في أفريقيا عناصر سمراء من أصول أفريقية (اليهود الفلاشا).
  5. تشجيع الدول التي استعمرت القارة كفرنسا و بريطانيا و البرتغال وغيرها من الدول الإستعمارية لتهيئة القارة لقبول إسرائيل والسماح لها بفتح قنصليات في مدن أفريقية قبل الاستقلال وتمكينها من حرية الحركة بين الدول الإفريقية, إضافة للتسهيلات التي منحت لإسرائيل لخدمة مصالحها، فقد إستغلت الدولة الإسرائيلية نفوذ الدول الاستعمارية القديم والحديث لدعم علاقاتها مع دول أفريقيا, وما يؤكد هذا القرار الذي اتخذته السوق الأوروبية المشتركة بأن تكون إسرائيل مقراً لتدريب المبعوثين القادمين من الدول الأفريقية, وسعي الولايات المتحدة لإدخالها في أفريقيا عبر وكالات الأمم المتحدة المتخصصة.
  6. أذن و من خلال كلّ هذه المعطيات يمكننا أن نفهم بأن كل ما يتم من استهداف للدولة السودانية الحصن الاخير لانهيار الروابط العربية الأفريقية تقف من وراءه جهة واحدة وهي الحركة السياسية الصهيونية بجميع وكالتها العربية والافريقية التي تم صنعتها لتنفيذ مخططها المرسوم و الذي تم التبشير به منذ ما قبل ولادة دولة الكيان الصهيونى في العام ١٩٤٨ في كثير من المنابر تمهيداً لسيادة دولة الكيان الصهيوني و هيمنتها علي موارد القارة الافريقية لأن إسرائيل تريد أن تسود على ضفتى البحر الأحمر, بينما للمعركة أبعاد عقدية و أخرى إقتصادية لأن إسرائيل تريد أن تكون القوة الإقتصادية التى تبيع منتجاتها لأفريقيا وتريد كذلك أن تكون بالإضافة لكونها سوق لها أن تكون مصدراً للمواد الخام والمواد الأولية, كما أن إسرائيل تسعى لتطويق العالم العربى وعلى الأخص مصر والسودان عن طريق التغلغل فى إفريقيا وأن تكون طرفاً فى قضايا المياه على الأخص مياه النيل, وتكون طرفا فى مستقبل التجارة والصناعة خصوصاً أن إسرائيل تتركز فى الدول الإفريقية المهمة كجنوب إفريقيا وإثيوبيا ويوغندا وزائير, وتسعى للسيطرة على سوق المواد النفيسة كاليورانيوم والأحجار الكريمة والذهب والبترول والصادرات الزراعية والحيوانية, ولذلك صراع أهل القرآن مع شعب الله المختار هو صراع عقدى تاريخى روحى ومحمول على مطلوبات إقتصادية وسياسية وثقافية.
  7. لذلك علي متخذين القرار في الدولة السودان سواء كانوا سياسين او عسكريين فهم كل هذه الابعاد و أن يعلموا بأن الذي يواجههم هو مخطط مدروس ويعمل بنسق معين من اجل تفتيت الدولة السودانية و التي اذا سقطت بالتاكيد سوف تكون النتائج كارثية
  8. لذلك يجب العمل علي وضع منهج شامل من خلال دراسة كل الابعاد من قبل مراكز دراسات مختصة لتحديد مسارات التعامل مع هذه المخطط لمنع إنهيار الدولة السودان وتفتيتها وحمايته من جميع المشاكل المستقبلية مهما كلف ذلك من جهود لتبديد المخطط و لاستعادة بناء الدولة السودانية للوقوف و مناهضة المشروع الاستعماري الجديد الذي تقف من خلفه للحرك السياسية الصهيونية.
  9. فماذا نحن فاعلين تجاه هذا المخطط و كيف يمكننا التعامل معه و خلق فرضية جديدة تمكننا من ايقاف تمدده في السودان او في دول أخرى.

١١ مارس ٢٠٢٥ م

اترك رد

error: Content is protected !!