صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

مرثية الخروج الثاني : او حكاية الحزب الذي فقد ظله (2-5)

طارق زيادة صالح سوارالذهب

 ما تاكد من مشاهدات وما رشح من انباء ورصد من تحليل، بل و ما استصدر مباشرة من قرارات، يؤكد علي هامشية تداول لم تكثف وتسلط الاضواء علي ميكانيزمات تغالبها الداخلي باروقة الشوري، بابعادها الاجرائية واجندتها وكيفية اجازتها، وارتباطها بسؤال الشرعية، ثم بمحمول فكروي مسكوت عنه متمثلا بابعادها الموضوعية لجهة جوهرية القضايا: المتعلقة بمركزية العلاقة بالسلطة القائمة و اشكالية الحريات العامة و مدي حقيقة تعبيرها عن حساسية المواقف و الصدقية التمثيلية و طبيعة التوازنات السياسية بل و حتي المناطقية والاثنية في ظل حالة من  الاستقطاب الحاد…بحيث بدا الجمع الشعبي، بمظهره الخارجي وكانه احتفالية اليوم الشوروي الواحد المصنع بعناية لهندسة عملية سياسوية بامتياز متحكم في مخرجاتها، بدلا من ان تكون صيرورة تشاورية، بحرية تداولية، و طلاقة مال و نهاية مفتوحة بلا سقوف، لبعث روح جديد بجسد الحزب المنهك المكبل باشتراطات معيقة من داخله و من الخارج تستوجب عليه مراجعات عميقة، سواء تعلق الامر بهياكله و انظوماته و برنامجه و اختياراته  الفكرية و الاجتماعية و السياسية، و لتجربته  التاريخية، و لاهمية دورية التداول و التعاقب الانتخابي: الشفاف المؤسس، و لملامسة كل تلك لقضايا الواقع المتغير من حوله، و هي اس المواضيع التي تحدد بوصلة الطريق، و هي للمفارقة التي لم يتم تناولها من قريب أو بعيد، خصوصا بعد ثورة ديسمبر الثي تحتاج الي وضوح و ابانة، لمصلحة ما احدثت من تحولات جذرية، حتي تراوح بالحزب مقاعد التردد و قابليات الانتكاس المضاد بالوقوف بالاتجاه الخاطئ للتاريخ بفعل دعاية و ضغوط كيانات التاسلم المتنفذ الخاص من بين منتفعي صفوفه المشايع و محيطهم الداعم المخترق بما تبقي من تشكيلات المؤتمر الوطني المباد و الحركة الاسلاموية المختطفة…

 و اذكر، هنا عرضا و بما ان السياق العام قد اتي بنا لنحو ذلك و اوردنا موارد ان تغشانا بعض مكامن المحظور…والشئ بالشئ يذكر، و بالاخص منه ما يتعلق بالحساسية المفرطة للراحل المؤسس تجاه ما ينعقد من ولاءات مسيسة علي تحالفات جينالوجيا الدم و العصبويات العرقية و الجهوية، بل و حتي علي روابط المصالح المهنية الضيقة، داخل المنظومة الشعبية، و في وحي البال الملهم، انه و بعد انقطاعي عن اروقة المنظومة لفترة مقدرة، و عن اسلاكها التنظيمية، تعمدا عن قصد و رؤية، ان اجتمع امر بعض من توسم في خيرا و تجربة، و ربما اضطرارا او لاسباب تقنية بحتة…قبيل انتخابات 2010 م، ان يندبني لتولي ملف مباشرة التعبئة السياسية و الاعلامية للحملة الانتخابية للمنظومة، و لمرشحيها لرأس الجمهورية و الولاية بالعاصمة القومية، و لقد كان من بين يدي التمهيد المدبر لها، ان اقترحت و معي اخرين، و قد غفلنا عن تلك الحساسية المفرطة، ان تقدمنا بمرشح محتمل علي رأس ولاية المنظومة الشعبية، بالخرطوم، بأحد من قرابة دم الراحل من اصحاب المؤهل العلمي الارفع و التاريخ الاسبق و المساكنة الحضرية الاطول، لما قدرنا من اهمية العاصمة القومية، باعتبارها مركزا لنفوذ استراتيجي جاذب، و بحسبان انها ستدور بها ام المعارك التي ربما ستحدد مؤشرات الحراك الانتخابي بالوطن كافة، و لما قدرنا حينها من مواصفات بهذة  الشخصية، قد تتناسب و ادوار  المرحلة و متطلباتها، فما كان منه عليه رضوان الله، و رحمته بعد ان سمع اسم هذا المرشح الا ان انتفض فينا ثائرا بغضبة مضرية عارمة صادقة: طالما انا بي نفس و علي قيد الحياة فلن يركب اي من المنظومات الاعلي للحزب، شخصا في اسمه كلمة الترابي، فادهشتنا صرامة الاجابة و قطعيتها و ما بدا لنا حينها من تحامل، و لما تبدت لنا من حكمة لاحقا للسبب المذكور، و لاسباب اخريات تكشفت لنا بعدها! لنخرج من عنده و قد صرفنا النظر عن ذلك الامر تماما، ولم نفاتح فيه مجددا احدا خشية عليه من انفعال و علي انفسنا من سهام انتقاد لاذع، لنختط من هذة الكلمات و نترسم الخيوط التي دفعت بنا بعد هذة الواقعة، توطئة لخطة انتخابية و تقدمة مستفيضة لها: بمشروع متكامل لفلسفتها العامة، و تصور استشاري و تنفيذي: فني علمي علي قاعدتي المعلوماتية التحليلية والبيان الاستطلاعي الاحصائي لجمهرة ساكنة الولاية و ناخبي موطنها الجغرافي، باستصحاب برامجي متعدد المستويات و الوظائف لمحاور حواضرها و هوامش ريفها، و لقضايا انسان مركزها الولائي و لامركزها المحلي، و لا نماط و علاقات انتاجه التقليدية و الحداثية، و لقواه الاجتماعية: الفئوية و النوعية و العمرية، و بمراعاة لتعددية مكونها الاثني و الثقافي، بطاقات مجايلة شابة و اطروحات مواكبة، لحقائق التركيبة السكانية الفتية المعاصرة، باستقراء مستقبلي للرأي العام، و منبئ عن الانعطاف السياسي، و الاتجاهات و الميول الانتخابية و التصويتية…بحملة تعبوية واسعة البدائل و برنامج واضح المعالم للاحياء الفكري و السياسي و لعضوية و هياكل المنظومة، و لخيارات تبدأ من سيناريوهات المشاركة الفاعلة الايجابية او المشاركة المراقبة المحايدة، و انتهاءا براجح من احتمالية المقاطعة، بنسختها الاولي التي اقترحت علي قوي الاجماع الوطني فتجاهلتها، ثم بنسختها الثانية عند تطور الامور لنحو الغش المنهجي الشامل بعد اليوم الأول، التي عرضناها باقتراح منها،و اصرار فتجاهلها الراحل المؤسس، ليس نكاية بها و كأنها واحدة بواحدة، فقط كما يبدو للوهلة الاولي، بل بالاساس لضرورة تقدير اوزان السياسة…لنتقدم بكل ذلك عن اخرين  بمرحلة مبكرة، علي الرغم من ما اعتري الظرف من تعقيدات، لكنها بطور تالي، و انطلاقا من تصور تحدي مغاير، دفعنا للمشاركة فيها جهدا نظريا و تطبيقيا، بشئ من محاولة ارساء تقليد علمي موضوعي علي الرغم من عدم حماسة بجدوي العملية و يقين بان المسار الانتخابي ستعتريه عديد شوائب التزوير وانعدام المصداقية، خصوصا بعد ان تفرق امر قوي الاجماع الوطني، و تباينت المواقف لتقديرات غلبت مصالح متحزبة ضيقة، فارقت بها الدعوة الاولي للمقاطعة التي أطلقها الراحل المؤسس فانخرطت فرادي، بالمشاركة في السباق الانتخابي، و بالاصرار علي المضي قدما، حتي  استبان لها الطريق بعد حين، فاطلقت دعوي مقاطتعها المتاخر، التي شهدنا و نقلنا دعوتها، عن حساب و قناعة، و الذي لم يلقي قبولا، بل وباتهام صريح بايعاز من دوائر غرض معروف، باننا نقود تيارا للمقاطعة، بميول اليسار الاسلامي في افكارنا العامة، و بتنسيق مع حلفائنا  الجدد بالحركة الشعبية و قوي الاجماع الوطني، ثم بتبرير…انه طالما  امضي عزما بامر فلن يتراجع عنه، و من جهة اولي باعتقاد ما صور له عقل السياسة الصوري المثالي المجرد من امكانية: ان يذهب بالمتنافسين الي دور انتخابي ثان، بالمراهنة علي أي من المرشحين لن يتحصل علي أغلبية الخمسين بالمائة + 1، مما يعني انتقالا للمرحلة الاخري، حيث يستطيع أن يكتل فيه كل اصوات القوي وراء من تحصل علي اكبر عدد من الأصوات، لهزيمة مرشح المؤتمر الوطني، والذي كانت رؤيته بان هذا المرشح سيكون مرشح الحركة الشعبية، فهو كما قال كان قادرا و كما حشد التاييد لان يكون هنالك مرشحا من جنوب السودان لرئاسة الجمهورية، فانه قادر و في ذات السياق علي حشد المناصرة الواسعة الفكرية و السياسية لمرشح الحركة، بل و حتي اذا استدعي الامر، وقد حدثنا بذلك،الراحل المؤسس، عن جاهزية لتقديم مرافعة بالصياغات الفقهية في وجه اي  احتمال انتقاد من الداخل او الخارج، و حسم اي  تلفت ناشئ عنهما بفعل الموقف الجديد، ثم من جهة ثانية لايمان منه بقدرة علي اختراق سياسي نوعي لاحتكار المؤتمر الوطني الاستبدادي علي كل دولاب العملية السياسية، و بانه قادر علي احداث دينامية سياسية و فسيفساء برلمانية تعيد قدرا من التوازن الوطني علي صعيد المركز و الولايات بما يتم  انتزاعه انتخابيا، بحظوظ ان لم تكن فائزة بالرئاسة فهي مقدرة، ثم من فوق ذلك مقاعد و ولاة،  يحدثنا في ذلك عن التجربتين الإيطالية و الفرنسية، و امكانية  لانفتاح سلطوي متضابط مرحلي، حتي بلوغ اوضاع التاسيس الكامل للحريات الاتم، و عودة السلطان بالانتخاب الشعبي الديمقراطي لأجل معلوم بعد انتقال مدروس،ثم لتاتي الرياح بما لا تشتهي   السفن  بمحصلة من وقع خيبة  الاحتمالين: بانسحاب مرشح الحركة الشعبية العجول مقايضة للانتقال الديمقراطي لسودان واحد، بمنح صفقة الاستفتاء و حق تقرير المصير، ثم بالتزوير المنهجي الواسع للانتخابات، وقد حذرنا في ما قدمنا بمشروع الحملة الانتخابية  من ذلك الراحل المؤسس و الذي كان لا يتصور حدوثه، بل و  أكثار المحاججة بنفي واقعيته من اساسها، و ان تصور ذلك فسيكون عبارة تصرفات فردية معزولة، بزعم فعالية و رجاء التزام  بما استحدث من تدابير فنية: بتقنية اليوم الانتخابي الواحد الممتد حتي الإعلان عن النتائج، و اليات الرقابة الشعبية و الحزبية، و تدابير دستورية و قانونية، علي افتراض بقية حد ادني من سياج ضمانة اخلاقية، حارسة تصون قليل من مصداقية…

  نقول، كل ذلك و نورده عرضا كما أسلفت.. مقايسة تقارن بين ما كان عليه الحال من مراعاة حد ادني لبعض اشتراطات المعادلة السياسية، فقط بوطء الراحل المؤسس، وما ال اليه مأل التفريط الذي تحسم فيه عظائم الأحداث و يقطع في مصائرها…

 في ظل غياب كان الاغلب فيه دوما افتقار  للحس التاريخي الاجتماعي الذي طبع المسار العام و انعدام التفات اشتات المنظومة الشعبية الحالية لاثر ذلك و تداعياته علي حاضرها و مستقبلها وما يراد منها فيهما، لتمضي فيه بايامها المقبلات، امتدادا لا وعيا لنحو ذلك، باتجاهات تشكل غامض و مجهول…

  يبدو، ان ما حدث بتدبير مكر صبيحة السبت، قد ذهب بنحو كاشف باتجاهات الهندسة السياسوية لا الصيرورة التشاورية، بشواهد مقرراته المعلبة : سكوت مريب عن تناول و حسم قضايا سياسية هي الاولي بالحضور و إبداء الرأي، و عجز و ترحيل القضايا الخلافية، فالمطلوب هو الحفاظ علي هذا التواجد المهترئ المشكوك في شرعيته، و المرور سريعا حتي لا ينفجر في وجه حاشديه، و التمديد للأمين العام، بتجريد من كل أمانته العامة )بغض النظر عن راينا في شخوصها و منهجها و ادائها(  التي أقام بينه وبينها سبلا ممهدة سالكة في ظل ظروف استثنائية معقدة، و قبل ذلك التي بينه و بينها قدرا و لو ادني من انسجام سياسي و وحدة الخط و الرؤية، و استعاضة ذلك بالعدم و المجهول و ربما التبعية، المستتر او الصريح…

 ما هذا الاستهبال السياسي…انها قرارات والعدم سواء، نذر الازمة و تداعياتها مازالت قائمة، و ارهاص التشظي و الانقسام، ما زال امكانا محتملا و قائما، هذا ان لم يكن سيناريو التخريب والاختراق، ثم كيف يستقيم ان يجمع هذا المحفل، في جوف شوراه، و عضويتها الصميم نفر فاعل من مزدوجي الانتماء و الولاء السياسي، التي تعكس ما بات يؤشر لظاهرات Conflict  Of Interests  او ما يعرف بتعارض المصالح، التي تطبع أداء مشتغلي السياسة بالمستويات: السيادية  و التنفيذية و  الحزبية، و تقدح في اخلاقية أفعالهم وسلوكهم بصورة تظهر قدرا عاليا من الاستهتار والا مبالاة، باصول التعامل بجدية و احترام مع المؤسسة  الحزبية، و افتراض نشوئها علي ايمان منسوبيها بافكارها و التزام خطها العام، دون سواه ، مراعاة لابسط قواعد ممارسة الديمقراطيات الحزبية درءا لشبهات التربح السياسي و تجنبا لما قد يوقع تحت طائلة اوصاف السمسرة، هذا اذا لم  يوصل اصحابها مباشرة الي سوء منقلب الارتزاق و العمالة هذا  اضافة لما أثير من تشكيك له ما يبرره من شواهد بقوائم العضوية، بتجاذيات حادة بين طرفي الصراع تصل لحد الاتهام بالتزوير و التغييب لصناعة تكتلات تصويتية باتجاهات محددة…  >>>يتبع

اترك رد

error: Content is protected !!