
د.أحمد عبدالباقي
اعتقلت السلطات الفليبينية يوم الثلاثاء 11 مارس 2025م الرئيس الفليبيني السابق رودريجو دوتيرتي البالغ من العمر 79 عاما في مطار مانيلا الدولي -بعد قدموه من هونكونغ- بناء على مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية،ضمن التحقيق الذي تجريه المحكمة بتهم جرائم ضد الإنسانية بشأن مزاعم عمليات قتل للآلاف خارج نطاق القضاء خلال ما عرف بـ “الحرب الدموية على المخدرات” التي انتهجها الرئيس السابق رودريجو دوتيرتي في أثناء ولايته كرئيس للفليبين من عام 2016 إلى عام 2022، تهدف تلك السياسة إلى مكافحة إدمان المخدرات على نطاق واسع بين المواطنين، وكذلك الحد من البيع والتوزيع ووفقا للبيانات الرسمية، فإنه منذ تولي دوتيرتي لرئاسة البلاد في عام 2016م قتلت قوات الأمن أكثر من (6000) شخص دون محاكمات بتهمة تجارة وتوزيع أو تعاطي المخدرات في البلاد، مما حدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للتحقيق في الانتهاكات المزعومة، على الرغم من أن حكومة الفليبين سحبت في مارس 2018م مصادقتها على نظام روما الأساسي، ورفضت في يوليو 2023م ايضا التعاون مع المحكمة الدولية مبينة إنها ستجري تحقيقاتها الخاصة
أعلنت الحكومة الفليبينة الجديدة برئاسة ماركوس الابن في نوفمبر 2024م أنها لن تتدخل في تسليم الرئيس الفلبيني السابق لمحكمة الجنايات الدولية إلا أنها عادت وصرحت في نهاية يناير 2025، إنها سترد على نحو إيجابي إذا طلبت المحكمة الجنائية الدولية من الإنتربول إصدار مذكرة اعتقال بحق دوتيرتي.
أبان الرئيس الفليبيني الحالي فرناند ماركوس الابن أن اعتقال وتسليم الرئيس السابق جاء على خلفية التزامات بلاده القانونية فيما يتعلق بتهم قتل الآلاف من متعاطي ومروجي المخدرات دون محاكمات في أثناء ولاية الرئيس السابق معلنا في مؤتمر صحفي أن الشرطة الدولية طلبت مساعدة الحكومة الفليبينية التي قدمت العون باعتقاله وهذا ما يتوقعه المجتمع الدولي من تعاون على حد تعبيره. من جانبه ظهر الرئيس الفلبيني السابق في فيديو مصور نشرته عقيلته على وسائل التواصل الاجتماعي ولم يبد أي أسف على حربه على المخدرات مستهجنا الجرم الذي اعتقل به مشيرا إلى أنه إذا كان الأمر كذلك فلتجب محاكمته في محكمة فليبينية وأن يسجن في وطنه.
يرى بعض المراقبين أن اعتقال دوتيرتي يمثل صفحة جديدة في تاريخ الفليبين لأنهم يعدون أن ذلك الاعتقال مظهرا من مظاهر حكم القانون وصيانة حقوق الإنسان ولكن الحقيقة تشير إلى أن اعتقال الرئيس السابق يمثل فصلا من فصول التناحر السياسي الذي شكل الساحة السياسية في الفليبين لأكثر من 39 عاما منذ سقوط نظام ماركوس، لذا ليس لاعتقال الرئيس السابق أي علاقة بحقوق الإنسان المفتري عليها، تمظهر ذلك التناحر على أثر الخلاف بين أسرة الرئيس دويترتي وأسرة الرئيس الفليبيني الحالي ماركوس الابن،سبق أن دخلت الأسرتان في تحالف سياسي قوي في عام 2022م أصبح بموجبه ماركوس الابن رئيسا وسارا (عقلية دوتيرتي) نائبة للرئيس الأمر الذي رفضه الرئيس السابق والذي كان يرغب أن تحٌل عقيلته مكانه رئيسة للبلاد، وعلى الرغم من تحالفهما إلا أن الخلاف بين العائلتين أشتد عندما سلكت كل أسرة نهجا سياسياً مختلف عن الأخري، فأعلن رئيس الفليبين الحالي ماركوس الابن استعداده للتعاون مع محكمة الجنايات الدولية وتسليم الرئس وربما تعود الأسباب لتعثر وسوء العلاقة بين الأسرتين.
رغم ما يثار حوله من تهم، إلا أن الرئيس السابق دوتيرتي حقق نجاح باهرا إبان ولايته الرئاسية حيث كشف استطلاع للرأي العام عندما تقاعده في عام 2022م أن 9 من بين كل 10 مستطلعين يرون نجاح الرئيس السابق في أداء عمله مقارنة بكل الرؤساء الذي سبقوه منذ 1986م حينما عادت البلاد إلى الحكم الديمقراطي، ولكن يبدو أن اعتقال دوتيرتي خير مثالا على تآمر الطبقة السياسية في الدول النامية واستشراء مرض جدلية الهامش والمركز لأن الرئيس السابق يعد أول رئيس من إقليم ميندناوي بجنوب الفليبين الذي يتهم الطبقة السياسية في العاصمة بتهميشه خاصة أن الإقليم تنشط فيه حركات الثوار المسلمين المسلحة التي تطالب بالانفصال وتنادي بإنشاء وطن قومي لهم بالإقليم ولكن الحرب هدأت لاحقا بعد أن وقعت الحكومة الفليبينية اتفاق للسلام مع المسلمين في عام 2019م حيث توقفت الحروب ومنح المسلمين الفليبينين حكما ذاتيا أنهى عقودا من الصراع راح ضحيته أكثر من 100 ألف مسلم.
انتهج الرئيس الفليبيني الأسبق سياسية خارجية تتجه نحو الصين مبتعدا عن واشطن الحليف التقليدي للفليبين إلا أن خلفه رئيس الفليبين الحالي ماركوس الابن أعاد توجه سياسة البلاد الخارجية نحو أمريكا واتهم الرئيس السابق بموالاة الصين التي لها نزاع مع الفليبين حول بحر الصين الجنوبي، وإزاء هذا الاعتقال أعلنت الصين أنها تراقب الموقف من كثب واتهمت محكمة الجنايات الدولية بتسيس العدالة وازدواجية المعايير، ولعل هذا التسيس وازدواجية المعايير يظهر جليا من خلال المواقف السلبية واللامبالية لمحكمة الجنايات الدولية والدول الغربية تجاه حرب غزة التي حصدت الآلة الحربية العسكرية الأمريكية والإسرائيلية فيها أكثر من مائة ألف شهيد وآخرين مثلهم في العدد جرحي، فهل ستستطيع محكمة الجنايات الدولية توقيف قيادات الصهاينة من أمثال نتنياهو ومساعديه على خلفية جرائم التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد شعب غزة الأعزل مقارنة بقتل ستة آلاف مجرم متهمين أنهم كانوا يسعون إلى نشر المخدرات.
لم يصدر رد فعل بعد من رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) ضد الاعتقال أو تأييده، وتضم الرابطة عشر دول ليس من بينها عضو في محكمة الجنايات الدولية سوى كمبوديا مع العلم أن مجلس نواب الآسيان رحب في نوفمبر 2024م بمذكرة المحكمة ضد رئيس النظام الحاكم في ماينمار (كمبوديا اسبقا) بسبب الجرائم التي ترتكب ضد أقلية الروهينغا المسلمة.