فضل الله رابح
بعد خمسة شهور علي اندلاع الحرب بالسودان التي أشعلها رئيس البعثة الأممية بالسودان فولكر بيرتس بالإتفاق مع قوي الحرية والتغيير و تحريض قيادة مليشيا الدعم السريع علي التمرد واستلام السلطة بقوة السلاح ، هاهو فولكر يتقدم بإستقالته من رئاسة البعثة بعد رفض شعبي و ضغوط دبلوماسية سودانية عليه ، ولكن جاءت الاستقالة والسودان يعاني شللا في الاقتصاد ونزوح البشر ورؤوس الأموال أو ما تبقي منها ونزفا صامتا وإنهيارا في الخدمات ويعاني الشعب شحا في السلع والخدمات ، وعلى الرغم من أن ( فولكر ) لم يكن المرشح الأول لقيادة البعثة الأممية لدعم الفترة الإنتقالية في السودان (يونتامس) ، إلا أن تحفظ السودان على المرشح الأول جعل قيادة البعثة من نصيبه وصار (فولكر ) الممر الإنتهازي للتدخلات الخارجية في الشأن السوداني والجسر الآمن لحماية وتمرير أجندة قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي السياسية ولتعطيل الإرادة الوطنية ، وبدلاً من أن تلعب البعثة الأممية بقيادته دورها المحدد في قرار تكوينها وهو قيادة السودان إلى تحول ديمقراطي كامل قادته إلى حرب مدمرة قضت علي الأخضر واليابس بالسودان ، وتعتبر استقالته الإعلان الأوضح لفشله في مهمته . ربما يكون السبب الأساسي في ذلك الفشل هو طغيان الأجندة السياسية على دور البعثة وهي أول بعثة أممية تمارس العزل السياسي والإقصاء وتقرر أن تتعامل مع مجموعة سياسية لم تعرف لها قاعدة شعبية دون بقية القوى السياسية السودانية . ولكن من الحركة الإقليمية السريعة والواسعة للفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان واضح ان هناك معادلات دولية جديدة دخلت في حسم الفوضي التي حدثت بالسودان وذلك من قراءة مؤشرات كثيرة أبرزها ان ( الولايات المتحدة الامريكية ) قررت الوقوف مع الجيش ودعمه ليس بصورة مباشرة ولكن من خلال حلفاءهم الاستراتيجيين في المنطقة والسبب في ذلك هو سعيهم لترتيب العالم ثنائي القطبية الذي بدأ يتشكل ويكون الجميع لاحظ ان الصين وسعت دول البريكس وأدخلت مصر واثيوبيا وكذلك الامارات والسعودية وايران فهذا المسار يقض مضاجع أمريكا وهي لا تريد ان تكون هذه المنطقة خالصة للصين وروسيا ومن ثم قررت التحرك في السودان وتحفيز حلفائها لدحر تمرد الجنجويد حلفاء روسيا بالمنطقة وهكذا جاءت العقوبات على عبدالرحيم دقلو والقائمة التي شملتها العقوبات وفتحت الابواب لحركة (البرهان) الاقليمية الواسعة ولا أعتقد ترتيب خمسة أو ستة زيارات رئاسية في اسبوع واحد ليست حاجة عادية او سهلة كما ينظر لها البعض .. قضية أخري مهمة وهي أن علاقة أمريكا مع مصر هي علاقة حلف استراتيجي وليست علاقة دولة صديقة كما يترأي للبعض ، ويُنظر إليها دائماً ضمن علاقة القاهرة – تل أبيب ، فبدون مصر لا أمن للدولة العبرية ، ومن هنا تتميز العلاقة الأمريكية المصرية عن سائر الحلفاء في المنطقة ، أما تركيا والتي كان المحطة الأبرز في محطات قائد الجيش الدولية فهي أحد أهم أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف، كما أن موقعها الجغرافي الممتد بين قارتين وتتداخل فيه حدود تركيا والحلف مع المياه الدافئة في البحرين المتوسط والأسود يجعلها حليفاً لا غني عنه ، مع أن البعض ينظر للعلاقات الأمريكية التركية من زاوية فصول التأريخ المتأخر ولكن زاوية العمق الإستراتيجي لهذه العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا فقد تطورت هذه العلاقة في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أثناء مؤتمر القاهرة الثاني في ديسمبر عام 1943، ودخول تركيا في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء في فبراير عام 1945 منذ ذلك التاريخ ومحطات أخري ذات علاقة بعلاقات أمريكا والاتحاد الأوربي وكذلك نظرت بعض دول الاتحاد الأوربي لتركيا جميعها تمثل عوامل قوة لعلاقات البلد الإستراتيجية ، أما الضلع الثالث في زيارات ( البرهان) والمهم فهي دولة ( قطر ) والتي اكتسبت علاقاتها والولايات المتحدة الأمريكية أهميتها بعد حرب الخليج الأولى ، حين عرضت الدوحة على واشنطن بناء واستضافة قاعدة جوية على أراضيها فكانت قاعدة ( العديد الجوية ) والتي شكلت لاحقاً منطلقاً للعمليات الأمريكية لمحاربة الإرهاب ، ثم لعبت الدوحة عقب ذلك ، وما تزال ، أدواراً أساسية لتسوية النزاعات في المنطقة وخاصة النزاع بين الفصائل الإسلامية الفلسطينية (حماس والجهاد) وإسرائيل ، وكذلك النزاع الأفغاني الأمريكي والنزاع الداخلي في السوداني من خلال استضافة الدوحة لمفاوضات سلام دارفور . من هنا نختم ونقول تشكل الدول الثلاث ( مصر ، قطر ، تركيا ) كل بطريقتها وثقلها الاقتصادي والجغرافي ، معاملاً جوهرياً للسياسة الأمريكية الخارجية في الشرق الأوسط ، لا غنى لأمريكا عن الأدوار التي تلعبها كل واحدة من من هذه الدول الثلاثة ، ولذلك إنها تتحرك في ملف السودان بترتيب وتنسيق لأجل الحفاظ علي الأمن القومي للمنطقة وكذلك الأمن والسلم الدوليين ، ولن تسمح أي من هذه الدول لموظف أممي ، مثل فولكر بيرتس أو دكتور عبد الله حمدوك والاخير هذا هو الذي سمح بدخول البعثة الأممية بطلب سري منه دون مشورة مؤسسات الدولة السودانية وكان قرار دخولها في الربع الأول من العام 2020 ثم جاء قرار دخول البعثة السياسية إلي السودان ، لن تسمح بأن يتلاعب بالأمن القومي للمنطقة وخلخلته ..