(1)
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة وفي أكتوبر 2001 غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان واسقطت نظام الحركة الإسلامية بقيادة طالبان، وفي أبريل 2003 غزت الولايات المتحدة الأمريكية العراق الذي صنفته ضمن محور الشر مع إيران وكوريا الشمالية واسقطت نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة الراحل صدام حسين على النحو الذي تعلمون، ولكن المفارقة تكمن في قيادة الحركة الإسلامية مشروع المقاومة المسلحة ضد الغزو الأمريكي في أفغانستان والتي انتهت بخروج القوات الأمريكية وصعود حركة طالبان الإسلامية من جديد في الحكم، اما في العراق فقد تلاشى وانهار حزب البعث العربي الاشتراكي وسقطت بغداد في اسبوعين، وقادت الحركات الإسلامية بكل مدارسها السنية والشيعية مشروع المقاومة المسلحة والسياسية حتى تكللت المدافعة والمناجزة بخروج القوات الأمريكية مع وجود محدود لها وباتفاق مع الحكومة العراقية، ثم بناء نظام ديمقراطي وفي طليعته ذات مدارس الحركات الإسلامية، وموت حزب البعث العربي الاشتراكي وللابد وكان من قبل قد رفع هذا الحزب شعار (البعث للابد).والنتائج تنم عن حالة التباين بين ايديولوجيا الدين الذي يجمع بين واقعية العهد القديم ومثالية العهد الجديد، وايديولوجيا البشر التي تتلاشى بسقوط وموت النظام الذي شيده صناعه الطغاة
(2)
صعود حركة طالبان الإسلامية للحكم يعزز جدلية أن هذا الدين عزيز نفيس وصحائفه مكرمة في رفعة وعلو، وحملت هذا الدين من صفوة الملائكة السفرة الكرام البررة وذلك بسر البشارة الربانية، (كلا انها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة )، وهكذا كان حملت هذا الدين بذات العزة والكبرياء والشموخ فهذا خبيب بن عدي يواجه الموت ببسالة ورباطة جأش
فلست أبالي حين اقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مضجعي
ولست بمبد للعدو تخشعا
ولا جزعا اني الى الله مرجعي
وهكذا وقف القائد الفذ طارق بن زياد مخاطبا البحر المحيط (والله يابحر لو علمت أن خلفك أقوام لخضتك مبشرا بدين الله)، وهكذا وقف هارون الرشيد في زهو وكبرياء حضاري (ياسحابة شرقي وغربي أينما تمطرين يأتيني خراجك)
(3)
يبقى الدين الوقدة والمحرك لنواميس الكون كلما حاصروه وتوهموا زواله توهج وتجمر من جديد في شعبة من شعاب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعبرة التاريخ والتجارب تعزز هذه الفرضية، فالتتر غزوا بغداد وطمسوا مكونات الحضارة الإسلامية ولكن عندما لم يقدموا البديل الثقافي غدوا هم حماة الإسلام الذي جاءوا لاستئصاله، وأفريقيا الارواحانية الوثنية لم تشهد نهضة من وهدتها الحضارية الا بعد ان غشيتها واردات الثقافة الإسلامية من الأندلس وقيام الممالك الإسلامية في مالي وغانا وصونغي وتمبكتو،بل وكل ميراث الحكم والنهضة الأفريقية المعاصرة تعود أصولها الاولى إلى الحضارة السودانية الكوشية العميقة في عقيدة التدين وثقافة التوحيد والبعث والحياة الأبدية في الآخرة.
(4)
وفي الغرب مهدت قيم الدين المسيحي الطريق أمام الثورة الفرنسية 1789 ، واكد ماكس فيبر أن صناع حركة الإصلاح الديني من البروتستانت في أوربا هم عماد وبناة النظام الاقتصادي الرأسمالي، وكل فلاسفة عصر التنوير والنهضة الأوربية كانوا متدينين باستثناء أقلية من الملاحدة أمثال كارل ماركس ونيتشة وفيورباخ، وان أصول الديمقراطيات الغربية المعاصرة هي مسيحية كاثلوكية، بل إن الفيلسوف المعاصر هابرماس أكد أن الحضارة الغربية المعاصرة ستعتريها القطيعة والجمود والتاريخانية ما لم تعظم من دور الدين في الحياة،وقديما وضع حكيم الصين كونفوسيوش في كتابيه التعليم الأكبر والاغاني ملهمات الحاكم في إدارة الدولة والمجتمع والمتمثلة في قيم الفضيلة والأخلاق والصلاح، وفي روسيا موئل الشيوعية وضع الرئيس فلاديمير بوتين مرتكزات مشروع النهضة الروسية والمتمثلة في الفخار بالتاريخ الروسي، وبعث القومية الروسية، وقيم الكنيسة المسيحية الارثوذكسية.
(5)
يبقى التحدي أمام الحركات الإسلامية المعاصرة إثبات عدم التناقض والتضاد بين الدين وقيم الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية، والتسامح والنهضة (انسنة الإسلام )، واثبات أن المجتمعات والشعوب هى الأصل في صناعة مشاريع النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتحدي الأكبر ضرورة تماثل سلوك الحركات الإسلامية مع هذه القيم