
بالرغم من أن الأخبار التي اطّلعت عليها في تخريج طالبات طب الأحفاد في “العلمين” تحتشد بالأسماء والمقامات والخطب القوية والمؤثرة، إلا أنني وجدت نفسي أشاهد ثم أكرّر المشاهدة لجزء من تغطية (نور نيوز) في فقرة حديث الطالبات والأمهات، حيث تحتبس الدموع الصادقة في المآقي الحزينة والفرحة والمستبشرة في آنٍ واحد، لقد كانت كلمات وأمنيات ودعوات الامهات تعكس رحلتين، الأولى رحلة الحياة والكفاح في تربية الأبناء والبنات، والثانية رحلة النزوح بعد إحتلال مغول الصحراء لبيوت المواطنين السودانيين ثم الارتماء في أحضان مصر الذي خفف عليهم بؤس الحرب وشقائها.
كم مرة سهر هؤلاء الآباء والأمهات وهم يهيّئون الظروف المثالية لبناتهم لينجحن في الامتحان ويتخرجن من كلية الطب رغم الفزع من فقدان الوطن، وقبل ذلك كم سهرت وكابدت أُسرة جامعة الأحفاد وهي تهيّئ الظروف وتبحث عن البدائل والحلول، وهي في ذات الوقت تصلها الأخبار واللقطات عن الدمار والتخريب والنهب للجامعة التي أنفقوا عمرهم يبنونها طوبة طوبة، وكيف كان بروف ٌقاسم بدري أو بابا قاسم كما يسميه الطالبات وكل الطاقم يعمل كفريق واحد وعائلة متضامنة.
نبدأ بالشكر لإدارة جامعة الأحفاد ولرئاسة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا لتوقيع البروتوكول الذي أنقذ المستقبل الأكاديمي، ليس فقط لمئة وستين طبيبة تخرّجن من فرع العلمين قبل أسبوع، بل هو يشمل معالجة الأوضاع إلى حين العودة للسودان.
لا يفوتني أن أشهد أن نموذج الأحفاد لم يكن الوحيد بين مؤسسات التعليم العالي والتعليم العام في السودان، فقد هيّأت لي الظروف زيارة المستشار الثقافي لسفارة السودان بالقاهرة عاصم أحمد حسن في مكتبه كثيرًا، وكنت أبقى لفترة وأنا أشاهد المشكلات والنقاش والحلول.
أما فترة امتحانات الشهادة، فهي تذكرني بفترة والدي، رحمه الله، يوسف المغربي، في الامتحانات، حيث كان هو والفريق يعملون ولا يكترثون حتى لو أصيب أحدهم بالملاريا، حبوب الكلوركوين إلى جانبه، والأقلام والمظاريف الضخمة.
ندلف بعد هذا للشق الرسمي من الاحتفال حتى تكتمل الصورة الكبيرة من الدبلوماسية والفخر الكبير بالعلاقات المصرية السودانية، ونبدأ بأبناء الجيش المصري والسوداني الذين تعانقت الآن تجاربهم النظامية مجالاتِ الدبلوماسية والحكم.
التحية لسفير السودان بالقاهرة الفريق عماد الدين عدوي، والتحية لمحافظ مرسى مطروح، سعادة اللواء أركان حرب خالد شعيب.
حقيقة، سفارة السودان في القاهرة شعلة تحترق لتضيء للسودانيين، ولا أحد يعلم مقدار التضحية والصبر إلا عندما يقترب منهم ويطّلع على ما يواجهونه. أما محافظة مطروح ومدينة العلمين الجديدة في عهد اللواء خالد، فهي شعلة من الحضارة والتقدّم.
ربنا يديك الصحة ويقويك يا بروف قاسم، رأيتك في الحفل تغالب الدموع والمرض، ولكنك رغم الإرهاق كما نعرفك أسد جسور لا يلين أمام العقبات.
التحية لرئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا الدكتور إسماعيل عبد الغفار، وشكرًا على تبرعه بالمكتبة لجامعة الأحفاد، هذا التبرع خفّف علينا مشهد الحريق والدمار والكتب الممزقة والمبعثرة بأيدي المليشيا الإرهابية الموجّهة باستعمار خارجي لعين كان يرغب في تجريف السودان واقتلاع أهله من جذورهم.، وإنشاء دولة أخرى تسمم النيل وتعتدي على مصر، ولا يزالون يخططون.
الشكر للدكتورة آمنة بدري، مساعد رئيس جامعة الأحفاد، التي أكملت كلمة قاسم بدري على المنصة عندما أعياه التعب، التحية للدكتور خضر فيصل أبو بكر، المستشار الطبي بالسفارة السودانية بالقاهرة، التحية للدكتور محمد هشام، عميد كلية الطب بالأكاديمية بالعلمين، الذي كان بمثابة الأب العطوف للطبيبات السودانيات، والتحية لأم الطبيبات، الدكتورة إيناس عزيز، عميد كلية الطب بجامعة الأحفاد.
وأقول لبنات السودان وفخره، خريجات وطبيبات الأحفاد والعلمين، لن تعالجن الأجسام فقط، بل ستعالجْنَ المجتمع السوداني، وستكون تجربتكن جزءًا من تاريخ مسيرة الطب في السودان، كيف تتحول رحلة اللجوء إلى نجاح وخطوة نحو المستقبل الزاهر، وكيف يتحول الداء إلى دواء.
ستنجحن في الطب، وستتزوجن وسيغني لكم مطرب من وادي النيل اهزوجة سيد خليفة “أموت في القصر العيني وتنقذني الطبيبة”، لتتذكرن أيام الدراسة في مصر الشقيقة.