ببساطة / د.عادل عبدالعزيز الفكي

ضرورة مواكبة السلطة القضائية للأوضاع الاقتصادية

د / عادل عبدالعزيز الفكي


في سبعينيات القرن الماضي قام الدكتور (ب) وهو طبيب معروف، بصب البنزين على كاونتر دكان يملكه في الخرطوم وأشعل النار، مما أدى لوفاة ثلاثة من مستأجري الدكان. السبب ان الدكتور طلب من مستأجري الدكان اخلاؤه لضعف الأجرة، ورفض هؤلاء بحجة أن القانون يمنحهم الحق في البقاء، تقدم الدكتور بشكوى أمام القضاء وتطاول أمد النظر فيها، وفي لحظة غضب أخذ الدكتور (ب) القانون بيده وحرق الدكان بمن فيه. حوكم الدكتور بالإعدام ونفذ الحكم.
قريباً من هذا، وخلال الأيام الماضية في مدينة الخرطوم بحري، قام شاب مستأجر بقتل مالكة الدار بسبب الاختلاف في الأجرة، ومطالبة المالكة له بالإخلاء، وكان رد فعل أهل القتيلة بأن قاموا بإخلاء عفش المستأجر بالقوة، واحراقه على مرأى من الجميع، فيما لا تزال السلطات تطارد القاتل للقبض عليه.
فض المنازعات بين الناس واحقاق الحقوق بتنفيذ حكم القانون هي مهمة القضاء، وبهذا هو يلعب دور هام جداً في إقرار الأمن المجتمعي، واحترام الناس للسلطات.
عدم الاستقرار الاقتصادي عندنا في السودان جعل نسب التضخم ترتفع لأرقام خيالية تجاوزت 500% وترتب على هذا ارتفاع هائل في السلع والخدمات، وأضحى مالك كل سلعة وخدمة يرفع سعره لمواكبة هذا التضخم، وليستطيع هو ومن يعول العيش والكسب الحلال.
غير أن هناك بعض الخدمات يمثل فرض الأسعار المواكبة عليها صعوبة كبيرة، ومن ذلك أسعار الإيجارات، حيث من الصعوبة فرض أجرة جديدة مع حلول كل شهر جديد، على الرغم من أن التضخم يزيد مع كل شهر جديد.
قانون ايجار المباني لسنة 1991 حاول أن يوازن بين حق المؤجر في اقتضاء الأجرة المناسبة لعقاره، وحق المستأجر في الاستقرار ما دام ملتزماً بدفع الايجار المتفق عليه. لهذا قرر فترة سبعة سنوات كفترة أجرة حكمية بالقانون لضمان استقرار المستأجر.
غير أن القانون لم يعمل على معالجة الأمر المترتب على عدم مواكبة الأجرة القديمة للأوضاع الاقتصادية المستجدة، حيث يتحدث فقط عن زيادة الأجرة بنسبة لا تتجاوز 6% في السنة إذا أجرى المالك أي تحسينات أو إضافات للمبنى. بالطبع هذا حكم بعيد عن الواقع. ولعل التضخم في فترة تشريع القانون المذكور كان لا يتجاوز الرقم الواحد أي 9% فأقل. هذا لا يواكب الوضع الحالي حيث التضخم ثلاثة أرقام. هناك إشكالية أخرى تتمثل في تطاول إجراءات المحاكم. فحتى بعد انتهاء الإجارة الحكمية التي حددتها المادة 14 من القانون بسبعة سنوات، يشتكي أصحاب الأملاك من وجود ايجارات قديمة غير مواكبة بالمرة للتضخم الذي يعم الاقتصاد. وعندما يلجؤون للقضاء لفرض أجرة المثل يتطاول أمد الحكم والتنفيذ لأشهر وربما سنوات.
يترتب على هذا نتائج مؤسفة أولها أخذ الناس للقانون بأيديهم كما حدث في الواقعتين اللتين رويناهما، وثانيها امتناع أصحاب الأملاك عن ايجار أملاكهم فتحدث لدينا أزمة سكن.
نأمل أن يتم تعديل القانون، وأن يصدر رئيس القضاء منشورات تذكر السادة القضاة بمقتضيات المادة 18 من قانون ايجارات المباني لسنة 1991 والتي تحث على نظر قضايا الإيجارات والتنفيذ المتعلق بها على نحو مستعجل. والله الموفق.

اترك رد

error: Content is protected !!