ليمانيات / د. إدريس ليمان

خيانة الضِيافة ..!!

لا تستقيم العلاقات الدولية التى تحكمها الإتفاقيات والمواثيق إلاَّ إذا كانت قائمة على أساس من المنافع المتبادلة التى يسعى إليها كل حاكم يريد أن يحكم شعبه ووطنه بإخلاص.. ومن أجل ذلك تحرص الدول التى تحترم سيادتها وتتطلع لإبرام الإتفاقيات المثمرة مع أى طرف سواء كان أحادياً أو مع الأسرة الدولية أن توفِد من يتسلح بإمتلاك القرار السيادى أو تفويضاً بذلك على الأقل إضافةً إلى المعرفة المحيطة بالملف أو موضوع الإتفاق فضلاً عن الإخلاص التام للمصلحة العامة فى الحاضر وعلى المدى القريب والبعيد حتى لايكون مايقوم به جناية على الأجيال الحاضرة ناهيك عن الأجيال القادمة .. والأمر الذى دعانى لتناول هذا الموضوع هى التعهدات المجانية التى قدمها وفد وزارة الداخلية بكرمٍ فيَّاض للمفوضية السامية لشئون اللاجئين فى إجتماعها السنوى بجنيف فى العام ٢٠٢٠م دون التشاور مع رئيس الحكومة آنذاك والتى أضرت بملف اللاجئين ضرراً كبيراً وألقت بأعباء وإلتزامات على الدولة السودانية كانت فى غنىً عنها .. فملف اللاجئين من الملفات الخطيرة لبعده المجتمعى وأثره المباشر على الأمن القومى .. فالوضع الديموغرافى لبلادنا فى ظل الوجود الأجنبى بصورة عامة ووجود اللاجئين بصفة خاصة أصبح أكثر تعقيداً بعد أن إرتضت حكوماتنا المتعاقبة أن تكون بلادنا مستقراً للسيول البشرية الجارفة من كل فجٍّ إفريقى عميق ، وفشلت لاحقاً فى التحكم فيها وفى حركتها لتقاطعات كثيرة وخطيرة وضعت الدولة فى أتون دوامة من المشاكل الأمنية والإجتماعية والإقتصادية .. !! فهؤلاء اللاجئين الذين أذنَّا لهم بالإستقرار فى المدن وسمحنا لهم بالعيش معنا وبيننا دون الإلتزام بضوابط إتفاقية جنيف التى نظمَّت وجودهم وحدَّدَت لهم أماكن بعينها ليتواجدوا فيها ولايتجاوزوها مهما كانت الأسباب أصبحوا من أحزمة الجريمة والخطر التى لا يمكن التحكم فيها بسهولة .. !! فإن سكتنا من قبل على مزاحمتهم للمواطنين فى أعمالهم ومعاشهم اليومى ومستشفياتهم فهل ستسكتـ الدولة عن مشاركتهم القتال إلى جانب المليشيا المجرمة وعن جرائمهم التى إرتكبوها فى حق الشعب السودانى وخيانتهم للقِرى والضِيافة .!!؟
فالضرورة تقتضى أن تكون الدولة مهابة فى كل شئونها وأن تتعامل بصرامة وحزم مع المهددات والهواجس الأمنية .. وإفناء كل من تحدثه نفسه بإختراق الحدود ولو قيد متر واحد داخل أرضها دون مسوِّغ قانونى كفلته الإتفاقيات والمواثيق الدولية التى وقع وصادق عليها السودان بنيَّة مبيَّة أو شرٌّ مستطير أو لإختبار صلابتنا بخدش أمننا القومى أو المجتمعى والمساس بإستقراره .. فملف اللاجئين لا يحتمل الإرتجالية ولاتجاوز للقوانين الوطنية والإتفاقيات الدولية كما حدث مع اللاجئين السوريين الذين مُنحوا جوازات سفر سودانية بقرار رئاسى تجاوز ما أشرنا إليه .. ولا ضبابية فى الرؤية السياسية والأمنية كما حدث مع اللاجئين من دولة جنوب السودان .. الأمر الذَّى جعل من ممثل المفوض السامي يتعامل مع السلطات الرسمية بشكل من أشكال الوصاية أو الإستعلاء إن صَحَّ التوصيف ، وتقلص الدعم وتضاءل فى إنتهاك صريح لإتفاقية جنيف تحت مزاعم كثيرة .. فالتجربة قد علمتنا أن المجتمع الدولى ليس بفاعل خير فيما يتعلق بسياسات المفوضية السامية تجاه اللاجئين ببلادنا ، وأن زيارات المفوض السامي السنوية لم تكن لإعانتنا على نوائب الدهر وإنما للمزيد من الضغط والتنازلات فى هذا الشأن بعد أن رأوا فينا ضعفاً ولمسوا مِنَّا تهاوناً .. علماً أن للسودان اليد العليا على المجتمع الدولى ممثلاً فى المانحين الذين تنوب عنهم المفوضية فى هذا الملف تحديداً دون غيره من الملفات الدولية الأخرى التى فيها يد السودان هى السفلى للأسف الشديد .. فبلادنا هى المانح الأكبر وأوفت بكل ما عليها من إلتزامات خصماً على المجتمعات المستضيفة وخصماً على أمنها القومى كما أوضحت لنا ذلك حرب الكرامة بجلاء دون أن تجد التقدير اللازم من المجتمع الدولى أو ( الوهم الدولى ) الذى يتعامل بإنتهازية مع كل من يقدم خدماته المجانية ودون أن يفى بإلتزاماته بتقديم الحماية والدعم اللازم وفق إتفاقية جنيف الملزمة للجميع .. ومن يراهن على الوهم فإنه يُراهن على جوادٍ حرون ..!!
إنها صيحة نُطلقها ورسالة نضعها فى بريد حكامنا أن أدركوا ملف اللاجئين فى بلادنا .. فالواجب يقضى علينا مناصحتهم من منطلق وعينا بخطورة الأمر وإقامة الحجة عليهم إبراءًا للذمة .. ولهم أن يقبلوها أو يردوها فالأمر إليهم ، ولكننا نذكرهم بسُنَّة سادتنا الراشدين المهديين .. فالتأريخ يحفظ للصديق رضى الله عنه ما قاله يوم توليته الخلافة وطلبه من الصحابة رضوان الله عليهم بأن تكون لهم سلطة رقابية على أدائه .. وكذلك يحفظ للفاروق رضى الله عنه مثل ذلك وللخلفية العادل عمر بن عبدالعزيز ولكثيرٍ من النماذج التى بهرت التأريخ الإنسانى وجعلت المؤرخين يجثون على الركب إجلالاً وإكباراً كلمَّا تحدَّثوا عن هذا الأمر .. فهل سيقبل حكامنا النصح ويدركوا بأن حجم المسؤولية فى هذا الملف تحديداً يكون بحجم الخطأ والصواب فيه وأنَّ بلادنا ليست مكبَّاً للنفايات البشرية .. وأنَّ سيادة الوطن ومصالحه هى وحدهها التى يجب أن يُسمح لها بالإملاء فيما يُتخذ من مواقف وقرارات حتى لانفقد البوصلة ونتوه فى ظلماتٍ لا نتبين فيها هُدىً ولا رشداً .. فالتحدى الآن ليس فى دحر المليشيا وإعادة المجرمين إلى جحورهم فى أقاصى الصحراء الإفريقية وعمقها مذمومين مدحورين وأن تعود لبلادنا عافيتها حتى يستطيع إنسانها أن يجوب أحقاف الوطن ووهاده وسهوله ووديانه بالعشى والإبكار آمناً مطمئناً لا يخشى إلاَّ الله والذئب على غنمه .. بل التحدى هو فى كيف السبيل للإستهداء إلى طرائق قِدداً لمعالجة خروقات تلك الشريحة التى تجد الحماية الدولية ولكنَّها لم تلتزم بمقتضيات الحماية .. !! ومن ثمّ ماهية الطريق للإقلاع بسوداننا نحو النهضة ومعالجة كل الإختلالات الأمنية والقيمية والمعيشية حيث مكابدة هذا الإنسان السودانى المغلوب على أمره .. فيا رعاكم الله إحذروا ألغام اللاجئين المزروعة فى بلادنا وتعاملوا معها بذات الأخلاق التى يتعامل بها المجتمع الدولى المنافق لا بأخلاق أهل السودان وفطرتهم النقيّة حتى تذكركم الأجيال اللاحقة ويذكركم التأريخ بما يَجب وبما نُحبً .
الا هل بلغَّت اللهم فأشهد .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!