أعلنت شركة الفأل للتمويل الأصغر عن إنها لن تقوم بتمويل المنتجين لزراعة القمح في الموسم الشتوي القادم، وذلك بسبب تضارب السياسات الحكومية فيما يتعلق بدعم مزارعي القمح، وعدم التزام الحكومة بشراء القمح بالسعر الذي حددته قبل بداية الموسم.
ستقلص الشركة بدءاً من هذا الموسم المساحات المستهدفة في تمويل زراعة القمح. ومن واقع ما اعرف ليست الفال وحدها، ربما تتوقف بقية الشركات التي تنشط في هذا النوع من التمويل، والسبب هو السياسات الحكومية، النقدية والمالية.
لقد تبين عدم قدرة او عدم جدية من بيدهم الامر من المسئولين الحكوميين، حيث استمرت الجهات المختصة في مضايقة الشركات الممولة بالضرائب والرسوم بدون اي اعتبار لخصوصية من تقوم هذه الشركات بخدمتهم من المنتجين.
من ناحية أخرى حولت السياسات الحكومية زراعة القمح الي نشاط به مخاطر عالية، خاصة حينما أعلنت سعر تركيز ولم تتدخل بالشراء به. في نفس الوقت وعندما أوجدت الشركات قنوات لتصدير جزء من القمح المنتج لتحقيق توازن في قيمة تكلفة إنتاجه بسبب سياسات تحريك سعر الصرف، وعدم توفر السماد في وقت الإنتاج، مُنعت من ذلك بحجة ان القمح محصول استراتيجي.
إن تبني وزارة المالية وبنك السودان لسياسة التشديد النقدي بهدف السيطرة على سعر الصرف، وتحجيم السيولة بهدف تحجيم التضخم، لم تتم بطريقة ذكية، وسوف تؤدي لنتائج عكسية حينما تضطر الحكومة بعد شهر أكتوبر للبدء في استيراد القمح، بل وحسب المعلومات المتوفرة فإن باخرة تحمل شحنات من القمح أبحرت من أوكرانيا في طريقها لبورتسودان هذا الأسبوع، إن مستوردي هذه الشحنة سوف يتجهون للسوق الداخلي لتوفير النقد الأجنبي، وسوف يرتفع نتيجة لذلك سعر الصرف، الذي سيتطلب بدوره زيادة المقابل لقيمته بالنقد المحلي فتتصاعد معدلات التضخم.
يضاف للعاملين المذكورين ضعف التشغيل الناجم عن خروج الكثيرين من المزارعين عن العملية الإنتاجية، بما يؤدي كنتيجة حتمية لتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي.
سوف تغير الشركات العاملة في مجال التمويل الأصغر استراتيجيتها حيث ستتجه نحو تمويل المنتجات التي تحقق أكبر ربح ممكن للمزارعين واقل مخاطرة، بغض النظر عن استراتيجية هذه المنتجات. قد تتجه لزراعة العدسية لأن سوق الهند مفتوح أمامها، أو تتجه لزراعة الذرة الشامية أو الأعلاف بغرض التصدير.
ندعو الحكومة ممثلة في وزارة المالية والوزارات الإنتاجية وبنك السودان المركزي لرسم السياسات التي تدعم انتاج السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح، مع تخفيف الالتزامات الضريبية على الشركات التي تقوم بتمويل المنتجين، والسعي نحو الحصول على قروض تفضيلية لاستيراد مدخلات الإنتاج من أسمدة ومحروقات، وتقديمها للمنتجين بأسعار مدعومة تحت رقابة مشددة من دائرة الأمن الاقتصادي. والله الموفق.