الرواية الأولى

نروي لتعرف

ليمانيات / د. إدريس ليمان

اليَد العُليا على المجتمع الدولى ..!!

أحدثت الحرب الوجودية التى تخوضها الدولة السودانية منذ أكثر من عامين واقعاً جديداً فيما يتعلق بالوجود الأجنبى بشقيه القانونى وغير الشرعى ، ويهمنا فى هذا الصدد الجانب الذى يتعلق باللاجئين وقراءة قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م قراءة تفسيرية ناقدة تحقق المقصد التشريعى الذى يحقق التوازن التطبيقى بين السيادة الوطنية والحماية الدولية ، وكيفية إلتزام السودان كدولة محترمة رغم ما أصابه من ضرر بواجبه الإنسانى الدولى والإقليمى ، والاَّ يكون فى وضع المخالف للقوانين والإتفاقيات الدولية التى إلتزم بها حتى لا يترتب عليه الضرر بعلاقاته الدولية والإقليمية ، وفى الوقت ذاته كيفية المحافظة على سيادته الوطنية .. فالسودان كدولة محترمة يُدرِك أن قيمته الحقيقية فى إلتزامه بالقانون وإحترام تعهداته القانونية الدولية التى ألزم بها نفسه وإن أخَّل المجتمع الدولى بتعهداته بأنانيته المعهودة ، وهو من أوائل الدول التى وضعت تشريعات وطنية تتعلق بتنظيم اللجوء منذ العام ١٩٧٤م ومن ثم تعديله فى العام ٢٠١٤م كتشريع سوداني وطنى خالص يقنن ويحكم وينظم حق اللجوء إلي السودان علي ضوء الاتفاقيات الإقليمية والدولية التى صار السودان بموجبها من الدول الملتزمة والملزمة دولياً وتشريعياً بتنظيم وحماية هذا الحق ، ومن ثم أصبح قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م مرجعية قانونية في تنظيم حق اللجوء .
والمتابع لهذا الملف يجد أن هنالك بعض الإشكاليات الإجرائية الناشئة والمتعلقة بتطبيق كل من قانون الجوازات والهجرة بتعديلاته في ظل وجود قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م والملزم لكل الجهات المختصة لابد من الإشارة إليها للفائدة الإجرائية والموضوعية للكافة ولإيجاد أرضية للتوازن التشريعي في التطبيق لكلا القانونين قانون الجوازات بتعديلاته والذي يرمي لحماية سيادة السودان من التعدي عليها ، وقانون تنظيم اللجوء الذي يـنشئ ويخول ويرتب حقوقاً قانونية وتشريعية وحقوقاً إنسانية كفلها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ، وبما يُحقق التوازن في التطبيق لأحكام القانونين معاً لتحقيق المقاصد المشروعة لكليهما دون تعطيلٍ لأي منها وذلك علي الوجه التالي :
أولاً :
أن للسودان حق السيادة على كامل أراضيه وعلى حدوده الدولية وبما يقتضيه حق الدفاع عن هذه السيادة وبكافة الوسائل القانونية المشروعة وأن له حق أن يمنع الدخول أو التسلل لأراضيه أو مياهه الإقليمية إلا عبر الطرق والوسائل المشروعة قانوناً وفق قوانينه الداخلية ووفق قواعد القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة ومثيلاتها من الاتفاقيات الإقليمية والدولية والثنائية ومن هذه القوانين التي تخول حماية السيادة الوطنية قانون الجوازات الذي ينظم الكيفية القانونية المشروعة للدخول إلي السودان و الخروج منه لأي أجنبي وحتي بالنسبة لحاملي الجنسية السودانية الذين يحكم إجراءات دخولهم أو خروجهم ضرورة وجود أوراق اثباتية رسمية .
ثانياً :
أن قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م قد كفل حق قانوني وأيضاً قد كفل حق إنساني مقر به إقليمياً ودولياً وبالتالي صار السودان من مجموعة المنظومة الدولية الملتزمة والملزمة بتطبيقه كواجب والتزام تشريعي إنساني كفله القانون الدولي وهو في ذات الوقت قانون لا يتعارض مع سيادة الدولة علي أراضيها وحدودها ولكنه انشأ حقوقاً إقليمية ودولية ترتبت على وضعية وإشكاليات وظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية وإنسانية بحتة مما اضطر دول العالم والتي لابد يوماً أن تمس بهذه الظروف والتي لا يخلو منها بلد في أنحاء العالم والذي صار قرية صغيرة تتداخل علاقاته واشكالياته وتختلط فيه الحقوق والالتزامات والمصالح والحاجات الأمر الذي استوجب مشاركة الجميع في وضع حلول مؤقتة أو دائمة لما ترتبه هذه الظروف السالبة من أثار في حقوق الإنسان فى أي مكان بصفة عامة وبالتالي لا يجوز تجاوز أحكام هذا القانون بحال من الأحوال وإلا اعتبرتجاوزه خرقاً قانونياً وإقليمياً ودولياً قد يؤدي إلي تدخل منظمات الأمم المتحدة المختصة لمنع هذا التجاوز أو إيقافه لما فيه من خرق لحقوق الإنسان في القانون الدولي وفي إطار سلطات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المنبثق عنها لحماية الأمن والسلم العالمي وحقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة بما يجوز في حالة الإخلال أو التجاوز لقانون اللجوء لسنة ٢٠١٤م احتمال التدخل بموجب الفصل السادس والسابع من هذا الميثاق الأمر الذي يتطلب تحقيق توازن دقيق في التطبيق في الواقع العملي الميداني بين أحكام قانون اللجوء والقوانين الإقليمية للدولة والمتعلقة بالسيادة الإقليمية بما يحقق أهداف التشريعين بطريقة وأسلوب تنظيمي وتنسيقي بين كل الجهات المكلفة بتطبيق قانون اللجوء والقوانين الأخرى المرتبطة بحقوق السيادة .
ثالثاً :
المقصد التنظيمي و التنسيقي بين الجهات المختصة المناط بها تطبيق أحكام قوانين السيادة الوطنية والجهات المختصة المناط بها تطبيق أحكام قانون اللجوء أمر وجوبي لتحقيق المقاصد التشريعية بين هذه القوانين بلا تجاوز أو مخالفة أو تعسف أو شطط قد يؤدي إلي عدم تحقيق المقاصد التشريعية المرجوه من هذا التنسيق .
رابعاً :
خول قانون اللجوء المتمثل فى الإتفاقيات الدولية والإقليمية حق قانوني وإنساني و طبيعي لطالب اللجوء الحقيقي بأن يستفيد من هذا الحق الذي كفل له وبضمانة إقليمية ومحلية ودولية وبالتالي فإنه يجب على طالب حق اللجوء الذي دخل إلي السودان بغرض تقديم طلب اللجوء للأسباب الموضحة في القانون و في الاتفاقات الدولية وبل يقع عليه واجب والتزام قانوني وحتي يستفيد من هذا الحق الذي كفله له القانون ضرورة أن يبادر إلي التبليغ أو الإخطار أو الذهاب لمقابلة أي سلطة سودانية مختصة للتبليغ بغرض دخوله لطلب اللجوء وحتي يتم التنسيق بين الجهات المختصة لإتاحة الفرصة له لتقديم طلب اللجوء علي وجه صحيح ومشروع ومن جهة أخرى وحيث أن طالب اللجوء الحقيقي قد لا تتوافر له الظروف المواتية للوصول أو التبليغ أو الإخطار للجهات المختصة بدخوله إلي السودان لطلب اللجوء أو قد لا تتوافر له إمكانية معرفة أماكن تلك الجهات أو موقعها أو حتي ماهي هذه الجهات الواجب عليه التبليغ إليها بما يستوجب أن يمنح الفرصة الكافية للتبليغ وان لا تتخذ ضده أي إجراءات جنائية ابتداء حتي إن تم القبض عليه بعد الدخول و يجب فقط أن تتخذ إجراءات تحري مبدئي عن كيفية دخوله دون فتح بلاغ وذلك لمعرفة مقصده وعرضه علي الجهات المختصة وهي معتمدية اللاجئين التي ينظم القانون كيفية وإجراءات أداء واجباتها وأيضاً يجب أن لا يتعرض كل من دخل إلي السودان بقصد طلب اللجوء أو ابلغ بهذا الدخول بهذا المقصد أو قبض عليه قبل الوصول إلى الجهة المختصة وابدي طلب وسبب أسباب دخوله وأنه قد دخل بقصد اللجوء إلي أي معاملة تضره أو تسئ إليه كما يجب أن يعامل معاملة كريمة ولا يحجز في حبس أو توقع عليه أي جزاءات أو قيود تمنعه من الوصول إلى معتمدية اللاجئين لتحقق في أمره إن كان مستحقاً لحق اللجوء وان يوفر له المأوي المؤقت سواء أكان رسمياً أو من منظمات العون الإنساني أو من فاعلي الخير الإنساني بما يحقق الحماية لطالب اللجوء وبما يحقق مقاصد القانون الوطنى والاتفاقات الإقليمية والدولية في كل الأحوال .
خامساً :
تطبيق أحكام قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م لا يعني ولا يبرر استغلال هذا القانون للدخول غير المشروع للسودان أو البقاء فيه بدعوى كاذبة للجوء أو للدخول لأغراض أخري غير حق اللجوء ومتي تبين من التحقيق والتحري المبدئي أوتحقيق معتمدية اللاجئين أو وزير الداخلية بأن الشخص ليس بلاجئ حقيقي وأنه قد دخل متسللاً لأغراض أخري غير مشروعة فيكون للسلطة المختصة بتطبيق قوانين السيادة السودانية اتخاذ إجراءات البلاغ والتقديم للمحاكمة لكل من يتضح عدم دخوله لغرض حقيقي باللجوء أو اتضح عدم توافر أي أساس قانوني مشروع لدخوله السودان بعد التحري المبدئي أو بعد رفض طلب اللجوء كما يجوز الإبعاد الإداري في مثل هذه الأحوال أو بحكم قضائي .
سادساً :
مراعاة لظروف طالب اللجوء الحقيقي ومراعاة لأحكام قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م ومراعاة لجميع الاتفاقات الدولية المصاحبة تعتبر جميع الأماكن التالية مواقع للتبليغ عند دخول السودان لغرض تقديم طلب حق اللجوء ولتسهيل إجراءات التبليغ وهذه الأماكن هي جميع مراكز ونقاط الشرطة في المناطق التي تكون مدخلاً للجوء أو الدخول أو التسلل لغرض طلب اللجوء وجميع المجالس الإدارية ، وأي ضابط إداري أو مجلس شعبي أو عمدة أو شيخ معتمد رسمياً بهذه الصفة ، أو أي شرطي أو القوات النظامية أو المسلحة أو أي محكمة أو قاضي أو وكيل نيابة أو محكمة مدنية أو مجلس قضاة أو محكمة أهلية أو أي جهة أخري يري وزير الداخلية تكليفها بتلقي التبليغ من أي متسلل طالب لجوء أو المعتمد الذي يمكنه تحديد أماكن ومواقع المعتمدية للتبليغ في نطاق الولاية أو المحلية .
سابعاً :
لتحقيق التوازن التطبيقي لقوانين حماية السيادة الوطنية كقانون الجوازات أو قانون تسليم المجرمين بينها وبين قانون تنظيم اللجوء لسنة ٢٠١٤م وحتي يكون الدخول محققاً لأهدافه ومنعاً لأي تسلل بطريقة غير مشروعة ولغرض أخر غير اللجوء لابُدَّ من التنسيق الدوري المنتظم بين جميع الجهات المختصة لوضع آليات التنسيق والضبط بما يحقق دفع الايجابيات التطبيقية وتقويم السلبيات الناشئة من التنفيذ لأحكام القانون وكل ذلك لتحقيق مقاصد صياغة نصوص قانون تنظيم اللجوء سنة ٢٠١٤م ولإزالة إشكاليات التطبيق في إطار تغير تام للظرف الدولي الحالي والأوضاع المحلية والإقليمية والدولية المحيطة بالسودان كأكبر دولة لجوء في إفريقيا .. ورغم ما يعانيه السودان داخلياً من إشكالات وقضايا أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحصار دولي خانق وحرب العدوان التى أشعلتها المليشيا المجرمة إلاَّ أنه ما زال يمارس دوره الطليعي باعتباره من أوائل الدول الإفريقية التي وقعت وانضمت إلي الاتفاقات الدولية والإقليمية التي تحمي حق اللجوء ، ومن أوائل الدول على مستوى الإقليم التى سَنَّت تشريعاً وطنياً لهذا الأمر ، فأهل السودان رغم ما لحق بهم من ضرر إلاّ أنهم يؤثرون علي أنفسهم رغم مابهم من خصاصة .
فيادولة رئيس الوزراء لعلكم تدركون أن أهل السودان منشغلون هذه الأيام بالحديث عن هوية الحكومة القادمة والتى طال إنتظارها فى منتدياتهم ومجالسهم فى كل أحياء المدن وأرجاء الوطن بل وفى. المهاجر والملاجئ والمنافى .. ما لونها ..!!؟ وما طعمها ..!!؟ وكيف هى رائحتها ..!!؟ ومن هم الذين سيشكلون مجلسها ..!!؟ وما هى إنتماءاتهم القبلية والمناطقية ..!!؟ فأرجوا إلاّ يشغلكم كل ذلك الأمر عن الإلتفات إلى قضايا اللجوء التى يد السودان فيها هى اليد العليا على المجتمع الدولى على ما سواها بإعتباره المانح الأكبر فى عرف الأسرة الدولية .. وأن لايُنسيكم أمر تشكيل الحكومة أن هنالك مئات الآلاف من أهل السودان ألجأتهم الحرب اللعينة إلى دول الجوار يعيشون ذُل اللجوء يتلقون المنح الملوثة بعد أن كانوا يعيشون فى عِز الوطن .. ولنا فى أم الحُسين تلك الصبيَّة التى ألجمت المفوض السامي لشؤون اللاجئين بكل أدب البداوة وكرم أهل السودان عند زيارته للمجتمعات المستضيفة أسوةً حسنة ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
السبت ١٤ يونيو ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!