إعلان بنك فيصل

ليمانيات / د. إدريس ليمان

الأزمة السودانية فى سطر ..!!

يُحكى أن أحدهم إلتقى بالراحل محمد إبراهيم نقد فى إحدى المناسبات الإجتماعية لأهله وأهلنا الدناقلة فسأله عن صحته وأحواله بصوتٍ عالٍ لضعفٍ فى السمع كان يعانى منه .. وعندها إنبرى آخر وسأله ضاحكاً عن سر ضعف السمع لعدد من الحضور فى تلك المناسبة فأجاب الراحل نقد بسخريته الموجعة وكانت الدولة حينها تعانى من بعض الصراعات : ( يبدوا لى أنها مشكلة قبلية ..!! ) .. وكما إختزل الراحل المشكلات القبلية آنذاك بعبقريته فى ضعف سمعه وسمع بعض من تصادف معه بتلك الإشارة الذكية فإن التأريخ سَيُلَخِّص بعد حين كل التآمر الإقليمى والدولى الذى تعرضت له بلادنا بمعاونة بعض القوى السياسية السودانية مستخدمة طموح آل دقلو غير المشروع فى حكم البلاد وجعلها أمارة جنيدية وخنجراً مسموماً فى خاصرة الأمة وسيلة دنيئة لغاية أكثر دناءةً فى سطرٍ واحد : ( إنهزم أعداء السودان أخلاقياً وإنسانياً وسياسياً وإعلامياً قبل هزيمتهم عسكرياً فى أكبر عدوان تعرضت له الدولة السودانية فى تأريخها القديم والحديث وأنَّ الله لا يُصلِح عمل المفسدين ..!!)
نعم إنتصرت الدولة على المؤامرة الإقليمية والدولية وعلى أدواتها القذرة ليس لأن القوات المسلحة هى الأكثر عدداً أو الأكثر عُدَّةً بل لأنها الأطول نَفَسَاً والأكثرُ خبرةً ومهنيةً والأكثر إيماناً بتحقيق النصر .. وأنها هى التى حَسَمَتْ النصر صبيحة الحرب على أسوار القيادة العامة ، وكل الذى حدث بعد ذلك خلال أشهر الحرب الطويلة لايعدوا عن كونه تضامناً وإلتزاماً من القوى الداعمة للمليشيا المنهزمة تجاهها والتى كان كل إنجازها هو تدمير البنية التحتية لبلادنا وتخريبها ، والمزيد من التقتيل والتهجير والنهب والإغتصاب النابع من عقيدتها الإجرامية فأصبحت فى نظر العالم الحر مجرد مجموعة إرهابية تمارس الإبادة وترتكب المجازر اللهم إلاَّ فى نظر الكفيل ونظر الشريك ..!!
والناظر إلى حال بلادنا قُبيل الحرب التى أشعلتها المليشيا وإحتلالها للبيوت بعد إنتصارها التأريخى على الشعب السودانى الأعزل وليس على القوات المسلحة بقوة سلاح الدويلة كانت هنالك حرباً من نوعٍ آخر تم فيها إستلاب عقول الشباب الذين وجدوا أنفسهم فى ميدان معركة لم يكونوا يعرفون فيها خصماً بعينه ، وتم إستخدامهم ليطلقوا سهامهم ونبالهم فى كل إتجاه ليدمروا كل شئ جميل فى الوطن ، وليقتلوا ذواتهم فى لحظات غياب العقل ، فرأيناهم يحاربون بالوكالة لصالح أُناسٍ فى مكانٍ آخر بعيداً عن المواجهة دون وعىٍ منهم تحت تأثير الميديا التى تم إستخدامها بخبثٍ شديد إستغلالاً لتلك العاطفة الجياشة بعد أن أهملهم نظام الإنقاذ فى سنوات حكمه ولم يُلقِ لهم بالاً .. فكانت ليالى المتاريس وتعطيل حياة الناس ومنعهم من الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم ، ورأينا من سقطت إقامته لعجزه عن اللحاق برحلته ، ورأينا من وضعت مولودها فى عربة الأجرة ، ومن فارق الحياة لفشله فى معالجة فشله الكلوى .. ورأينا تخريب الطُرقات وأعمدة الإنارة والإعتداء على أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة العامة .. والنماذج المحزنة المبكية التى لا تُحصَى ..!!
ولعل هذه الحرب التى لم تشهد بلادنا مثيلاً لها من قبل كانت مِراناً حقيقياً وعملياً لمعرفة مكامن العلل فى مفاصل الدولة وفى سياساتها تجاه الشباب الذين أثبتت المعركة أصالة معدنهم وأرومتهم …ولئن خسر الشعب السودانى كل شئ بسببها إلاَّ أنه كسب ذاته ومستقبله الذى كانت تتربص به قوى الشر من حوله بعد أن وعى الدرس القاسى وأدرك أنَّ هذا السودان لن ينخدع ثانيةّ لمعاول الهدم وأبواق تزييف الحقائق وعديمى المبادئ ممن إستخفوا بدماء الأبرياء وركنوا لمن أغدق عليهم بالمال الحرام ديانةً وسقوهم من طينة الخبال .. !! وأدرك الإنسان السودانى أيضاً من يوميات الحرب وواقع الحال أنّ ثمن الإستقرار المأمول والمبتغى كان دماءً عزيزة وليس أقولاً ووعوداً فى الأسافير من لصوص الشاشات والفضائيات .. وأنَّ بناء الدولة وأركانها ليس بهذه الهشاشة التى ظنتها المليشيا لتهدمها فى لحظة بعد إستقواءها بشركاء الداخل والخارج .
وعلى الرغم من كل ذلك يجب أن تعلم الدولة أن لديها الحد الأدنى من المسؤولية تجاه الذى حدث ، وأن هذا العدوان الإقليمى والدولى الذى آذى أهل السودان لايعفيها من مسئوليتها الأخلاقية وإن قلل من قدرتها على إيفاء هذه المسؤولية حقها أوان الحرب للظروف المعلومة للكافة فلاسيادة وطنية دون مسؤولية حقيقية .. فكل الذى يأمله أهل السودان إلاَّ تتكرر هذه الغفلة من حكامنا ، وأن تكون هذه الأزمة إنطلاقة حقيقية لبناء جيش وطنى قوى تأهيلاً وتدريباً وتسليحاً ، وبناء أجهزة أمنية قوية قادرة على تحقيق الأمن الداخلى والمحافظة على الأمن القومى ، وفوق كل ذلك الإهتمام بهذا الشباب الوطنى الواعى وأن لاتتركه ليكون نهباً للأعداء يشكلون وعيه ووجدانه كيفما شاءوا ويستخدمونه لتحقيق أهدافهم الخبيثة .. ومن ثم الإلتفات لبناء مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية على أساسٍ متين لتكون لنا دولتنا التى نأمل ونرجوا وبها نُفاخِر وليكون هذا السودان علماً بين الأمم كما يقول نشيدنا الوطنى .
وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الخميس ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٤م

اترك رد

error: Content is protected !!