ينقسم السودانيون في نظرتهم لاستثمارات القوات المسلحة لفريقين، فريق يرى انها خصم على الاقتصاد، لأنهم يعتقدون أن نتائج أعمالها محاطة بالسرية لا يعلم عنها المراجع القومي شيئاً، وأن إيراداتها لا تستلم وزارة المالية منها عائداً، وأنها حسب ما يرون تضايق القطاع الخاص في اعماله، وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها القطاع الخاص.
الفريق الآخر يرى أن استثمارات الجيوش أمر معلوم ومعروف ومعمول به في أغلب أنحاء العالم، وأنها في السودان ناجحة بسبب الجدية والانضباط اللتين تتميز بهما المؤسسة العسكرية، كجهة مشرفة على هذه الاستثمارات، فضلاً عن وجود عقول وطاقات شابة من السودانيين الأذكياء، استوعبتهم استثمارات الجيش، ووفرت لهم بيئة عمل ومرتبات ممتازة فكان الإنجاز والنجاح.
في الواقع لا يستطيع المحلل المنصف أن يعتبر الحقيقة الكاملة مع هذا الطرف دون ذاك، فبعض ما يقول به الفريق الأول ملاحظات تستحق الدراسة والتقويم، وما يقول به الطرف الثاني يحتاج لتوضيحات وتقويم. غير أنه من المهم أن يتم التحاور حول ما يلي الجيش الوطني بالاحترام والتقدير لهذا الجيش، دون إساءات، ودون وصفه بأنه كارتيل لغسيل الأموال ودعم الإرهاب، وغيرها من العبارات المسمومة والمرفوضة، التي ترمي لتفكيك هذا الجيش، وهيهات.
ان تطوير المنظومة الدفاعية لأي دولة هو أمر مهم للغاية لصيانة أمنها القومي، وحسب التجارب الدولية هناك ثلاثة نماذج تتبع لتحقيق هذا الهدف، الأول تتبعه الدول ذات الموارد المالية الضخمة، حيث تقوم بشراء آخر تكنلوجيا متاحة في مجال الصناعة الحربية وتدفع قيمتها.
والنموذج الثاني تتبعه الدول ذات الموارد المحدودة، مثل السودان، حيث توطِن الصناعة الحربية وتسعى لتطويرها بجهودها الذاتية.
والنموذج الثالث في الاقتصادات المتطورة للغاية مثل الولايات المتحدة، حيث يكون للقطاع الخاص اسهام في الصناعة الحربية، مثال شركة لوكهيد التي تصنع الطائرات الحربية بجانب المدنية.
أن تطور الصناعة العسكرية في السودان مر بثلاثة مراحل: الأولى صناعة عسكرية صرفة، وعندما لوحظ أن المصانع العسكرية يمكنها انتاج صناعات أخرى جانبية تم الانتقال للمرحلة الثانية، وهي العمل في بعض الأعمال المدنية ذات العائد، مثل انتاج حديد المباني، وعندما لوحظ عجز موازنة الدولة عن سداد الاحتياجات الدفاعية الملحة تم التخطيط للدخول في مجالات ذات عائد سريع مثل الإنتاج الزراعي والحيواني، شريطة أن يكون الدخول من باب التطوير، دون مضايقة للقطاع الخاص، على أن تسدد الشركات التي تعمل في المجال كافة التزاماتها للدولة مثل الضرائب والزكاة واستعادة عائدات الصادرات.
بغرض إضفاء الشفافية على أنشطة شركات الجيش نرى أن يتم تسجيل كل الشركات التي لا تعمل في المجالات العسكرية البحتة كشركات مساهمة عامة بسوق الخرطوم للأوراق المالية. وأن يتاح الوجود الفعلي للمراجع القومي بكافة هذه الشركات. وهذا حسب معلوماتنا ما شرعت فيه منظومة الصناعات الدفاعية بالتنسيق مع وزارة المالية، والمراجع القومي، وإدارة سوق الخرطوم للأوراق المالية. والله الموفق.