كان أول لقائى به فى العاصمة الأردنية عمَّان قبل سنوات وأنا طالب دراسات عليا بجامعة مؤته وهو الملحق العسكرى بسفارة السودان فى الأردن ، ومن ثمَّ تعددت لقاءاتنا وجلسات المسامرة ووجدت فيه مثقفاً مستنيراً ومتحدثاً جيِّداً يتخير كلماته ومفرداته بصوته الخفيض مع إحاطة شاملة لمهددات الأمن القومى بذهنية مرتبة وحضور قوى .. ولم تنقطع صداقتنا التى إستمرت عبر الوسائط لاسيما ونحن ننتسب لدفعة واحدة واجهتها الأولى تحمل صقر الجديان والأخرى تزينها العين الساهرة واليد الأمينة ( الدفعة ٣٩ حربية والدفعة ٥٩ شرطة ) ، لنلتقى ثانيةً فى مدينة نيالا التى قَدِمنا إليها فى ذات التوقيت هو قائداً للفرقة ١٦ مشاة وأنا للإشراف على الحملة القومية السنوية لإبادة نبات القنب بمحمية الردوم الطبيعية .. فما وجدته الحملة من إهتمام من هذا الرجل ومن مدير شرطة الولاية لم تجده من غيرهما ، حيث دعمها بالرجال وأجهزة إتصال حديثة وتخيَّر لها أفضل مركباته .. أمَّا يومُ الزينة فكان عند خروج القوة وتحركها للمحمية حيث جمع لها كل قوة الفرقة بجميع ضباطها فى طابورٍ مهيب وإصطفافٍ يسرُ الناظرين لجميع مركبات ومتحركات وآليات ومجنزرات ومروحيات الفرقة ، وأصَّر أن يتم توديعها من داخل أسوار الفرقة .. وكانت لجنة أمن الولاية وهيئة الإدارة بشرطة الولاية حُضوراً بكامل عضويتها .. وتحركت قوة الحملة التى تجاوزت الخمسون عربة تتقدمها وتتبعها القوة الموَدِّعة بعدد مماثل من المركبات والمدرعات مع غطاء جوى من مروحيَّات الفرقة فى مشهدٍ مهيب لم تَره المدينة من قبل ..!!
وها هو اليوم يُقَدَّم نموذجاً للقائد المُلهِم ، فكان حاضراً فى أرض الوغى ومقاتلاً بنفسه يدور على جنوده المقاتلين يحثهم ويُصَّبِرَهم ويَعِدهم بالنصر .. ليس هذا فحسب بل حفر قبره بيده أمام ناظريهم ليؤكد لهم أنه سائرٌ على درب الشهداء الأبطال .. فشرح الله صدورهم بشجاعة قائدهم فأنتصبوا قاماتٍ من عزيمةٍ موفورة الكرامة ففر الجُبنْ والغدر الجنجويدى من أمام أولئك الشجعان الذين صَّبوا عليه سوط عذاب .. وكان النصر المؤزر .
من أى طينةٍ أنتَ أيها البطل .. ألَمْ يعلم أولئك البُغاة الذين جاؤوكم غدراً ليذبحونكم وينحرونكم غيلةً أنَّكم أولى قوة وبأسٍ شديد ..!!؟ ولاتموتون إلاَّكالأشجار واقفين .. !! مِنْ أى فجٍّ عميقٍ أتيتْ بهذا العشق السرمدي للوطن ..!!؟ حقاً إن المواقف لا تصنع الرجال بل المواقف تُولَدُ فى ظِّلِ الأقوياء من الرجال .. !!
دُمْ طيباً أخى وصديقى اللواء الركن ياسر فضل الله فبمثلك تفتخر قواتنا المسلحة ، ودُمْ عِزَّاً وفخراً ومُعَلِّماً لمبادئ الرجولة والإباء .