بعد الفراغ من فريضة الصُبح التى تَحرِصُ مساجد الوريفة الإقتداءُ والإهتداءُ فيها بهدى النبى عليه أفضل الصلاة وأتَمَّ التسليم بقراءة سورَتىْ السجدة والإنسان .. أخرج الشيخ المُسِنّ الذى كان عن يمينى مسبحته وجلس القرفصاء وبدأ فى تمتماته وأذكاره ومن ثمَّ بدأ فى الدعاء بصوتٍ خفيضٍ مسموع حيث كانت النازلة التى ألَمَّت بالسودان وأهله حاضرةً بقوة فى دعائه ، وأنا أؤمن سِراً بعد أن تنحيتُ عنه قليلاً ، وحينها ملأ الأملُ واليقين قلبى بأنَّ هذه المِحنة إلى زوال بمشيئة الله تعالى وأنَّ أولئك البُغاة لن تبكى على هلاكهم السماءِ ولا الأرض إن ظَعَنوا أو أقاموا أو إرتحلوا ، وأنَّ هذا الشعب الطيب المسالم الذى جُبِلَ على الكرمِ والكرامة لايستحق تلك الذِّلَة والمهانة ..
فإنَّ الذى حدث إنما حدَثَ فى لحظةٍ من لحظات الضعف المجتمعى حيثُ تفرَّغ أولئك البغُاة لأهل السودان البسطاء حينَ غفلة ، وأضمروا لهم وأجلبوا خيلَهم ورَجِلَهم وتاتشراتهم وثُنائياتهم ورباعياتهم وراجماتهم مُستَغِلِّينَ إنشغال قادة جيشنا بالصراع مع الكيانات السياسية ، فكانت الخِيانة والتمرد .. ثُمَّ أوغلوا فى الجِراح وضاعفوا الهجمات فتصاعدت أرواح الشهداء الأبرياء شهيداً تلو شهيد .. وتوالت فصول الخيبة والمأساة والألم بشلالات الدماء التى سالت وأرواح الشهداء التى إرتقت لبارئها ، والديار التى فارقها أهلها قسراً والأوجاع التى تجرع مرارتها البسطاء والأبرياء لا لِجُبنٍ فيهم ولا لمنقصة بل للغدرِ بهم وأخذهم غِيلة ، ولغياب الناصر والدليل .. وكان الفصل الأكثر إيلاماً فى هذه الملهاة هى تلقيهم للإغاثة والإعانة من المنظمات وهم الكِرَامْ أبناءُ الكِرَام وأصحاب اليدُ العُليا لجيرانهم لعقودٍ طويلة قبل أن تَجور عليهم الأيام وعاديات الزمن .
ومَرَّت الأيام كالخيال أحلام والأزمة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم وتشتبك خُيوطها إشتباكاً يَصعُبُ معه على كُلِّ أحد رؤية ضوءٍ فى آخر نفق واقعنا المأزوم .. والجميعُ ينتظر أن تنقضى أيام الذُّلِّ والمهانة التى يعيشونها بكل تفاصيلها الطويلة والمؤلمة ليحتفلوا بالنصر مع قواتهم المسلحة وشُرطتهم وأجهزتهم الأمنية وأبنائهم المُستَنفَرينْ بكل الفخر والإعتزاز ويشكرونهم على ما قدموه من تضحيات فى سبيل أن تتحرر عاصمتنا من الإحتلال الجنجويدى الذى أدركه الغرق ولن يجد أحداً يُنقذه أو يَمُدَّ إليه يَدَاً حتى لاتكون خِيانةً لدماء الشهداء وكسراً لكبرياء هذا الشعب المسكين الذى يطمح فى الحرية والعيش الكريم بسلام .
كُلَّ الذِّى نحتاجه فى قادم الأيام هو مجرد رؤية تحمل الأمل لأهل السودان بإقامة مشروع وطنى ينأى عن التجاذبات التى عطَّلَتْ المسيرة لسنواتٍ طويلة يقودها الخَيِّرينْ من اصحاب البصيرة النافذة والنوايا الحسنة لتقودنا تلك الرؤية نحو المستقبل وآماله وتترك الماضى وأخطاؤه ، بتشخيصٍ سليم للوضع العام والتحدّيات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية التى تواجه مستقبل بلادنا ، ووضع خُطط إستراتيجية لتَحَدِّى تلك التَحَدِّيات .. فما الذى ينقصنا ونحن نملك كل عوامل وأُسس بناء المستقبل !!؟ ومن يشبهك يابلادى ..!!؟
رحم الله شهدائنا الأبرار وبارك فى قواتنا المسلحة المرابطة على الثغور والجبهات وسَدَّدَ خُطاهم وأعان شُرطتنا وأجهزتنا الأمنية وثَبَّتَ أقدامهم .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .