السفير د. كرار التهامي

خطاب الكباشي ما بين السطور

من الأفاعي العشر التي ذكرتها في استهلال هذه المجموعة من المقالات هي (أفعي انتشار السلاح) التي قد تبررها في الوقت الراهن تداعيات الحرب والعسف والترويع الذي حاق بالمواطنين العزّل من جراء عدوان المتمردين الذين كانت لهم الغلبة على السكان فقط بسبب امتلاكهم السلاح كما قال محمد جلال هاشم و الذي يرى انه في حالة امتلاك المواطنين السلاح سيفقد المتمردون الذين يصفهم (بالجبن ) ميزة التفوق الميكانيكي الذي وفرته لهم البندقية لكن ماذا بعد الحرب و من يضمن ان لا تعود أفعى انتشار السلاح وتبث سمومها في الوطن بايدٍ و وجوه مختلفة ؟

◾️كتبتُ في المقال الاول “ان واحدة من اخطر مظاهر مابعد الحرب هو انتشار السلاح الذي سيؤدي الى تفاقم الجريمة اذا لم يتم سن قانون جديد وصارم وتعمل الأجهزة العدلية والأمنية مع المواطنين على جمع كل قطعة سلاح غير مرخصة من الأفراد والجماعات في القرى والمدن” والاحتفاظ بها في عهدة الجيش

▪️في صميم الفلسفة السياسية المعاصرة ان الدولة هي المناط بها (احتكار العنف)لقد اثبتت تجربة الدعم السريع والحركات المسلحة بصورة عامة ان الإطاحة بهذه القاعدة واختراقها لاي سبب جهوي او قبلي او سياسي يعني الإطاحة بالدولة وإعادة انتاج الصراع بوجه جديد فواجب الجيش الذي يمثل رمزا دستوريا مهما في حماية الدولةً والحفاظ على سيادتها وهويتها وأمنها ان يكون قاسيا في تعامله مع ظاهرة انتشار السلاح مجرد ان تضع الحرب أوزارها

▪️سيضع كل من يمتلك سلاح في هذه الظروف الاستثنائية بعد الحرب سلاحه تحت سريره ولمجرد خلاف حول قطعة ارض او ملكية عنزة سيلعلع السلاح وتزهق الأرواح ففي امريكا حيث توجد الدولة القابضة القوية والقانون الصارم وعلى الرغم من تقنين امتلاك السلاح للأفراد فان جرائم القتل والانتحار تحصد ارواح اكثر من مائة الف شخص سنويا وتكلف مئات الملايين من الدولارات

◾️جاء كلام الفريق الكباشي متقاطعاً مع ذات الفكرة التي اجمع عليها الكثير من الاشخاص العدولين ليضع الأمر في صيغته الرسمية صحيح انه ترك في خطابه غموضا وفراغات ملاتها الظنون السيئة و لم يسمي الأشياء بإسمها مما جعل حديثه قابل للتأويل و اعتقد كل طرف ان راس السوط لمسه لكن الحديث في مجمله ايجابي وقوي فيما يلي الاعتراف بالمقاومة الشعبية و احتوائها وتأليبها وتشجيعها وفيما يلي احتكار العنف وقيادة المعركة بواسطة الجيش وفيما يلي العزم الأكيد لدحر التمرد مما يرفع معنويات الشعب السوداني وهو يحارب بيده وبلسانه وبقلبه و الذي ظل يرفع القبعات لمواقف الكباشي الراسخة منذ لحظة زحف المتمردين الى مروي قبل يومين من الحرب إلى
حينه

◾️ويعتقد الكثيرون ان الكباشي يلمح لمجموعة (البراء ) وطريقتها في الظهور الإعلامي الزائد خاصة في إشارته (للتصوير) و كتيبة البراء والتي رغم جهدها وحماسها وخبرتها في الحروب لكن افسد أداءها الجانب الاستعراضي خاصة انها لا مرجعية سياسية لها وهي شاركت بطلب من احد قادة الجيش الكبار الذي عملت معه سابقا في خندق واحد في حرب الجنوب وليس لدخولها في الحرب كأي مستنفر آخر مثل غاضبون ولجان المقاومة وغيرها علاقة باي تنظيم سياسي

◾️من ناحية اخرى بعض الثقات والقريبين من الأحداث يؤكدون ان الكباشي كان يشير إلى حالات من التفلت في نفس الولاية التي تدفق اليها السلاح مدراراً بواسطة تجار السلاح وظهرت فيها جماعات متفلتة و حالات عدم انضباط وتطاول وخروج على طاعة الجيش الذي يقود المعركة باحترافية لذلك خاطب في حديثه الوالي وقائد المنطقة على وجه الخصوص وجاء تعميم خطابه عرضا بينما قصد تخصيص رسالته للمكان والزمان خاصة ان المنطقة مفخخة بالنزاعات القبلية التي ربما يسعرها السلاح ويشعل أتونها

◾️في كل الاحوال ان ترك السلاح في ايدي لا تخضع لضبط وربط صارمين من الدولة سيكون مدخلاً للجريمة بشقيها السياسي والجنائي في المستقبل وعليه يجب ان يكون للدولة والمجتمع حساسية عالية تجاه انتشار السلاح إذا كان لدى (حركات مسلحة) او (افراد) او (جماعات سياسية) فالدولة القادمة إذا تهاونت في هذا الأمر ستعود الدائرة الجهنمية كما كانت ،،

▪️لقد عجزت حكومات الإنقاذ المتتالية في مشروع جمع السلاح خاصة في مناطق انتشاره الأكبر في ولايات دارفور وكردفان رغم الحملات الإدارية والأمنية التي نظمتها لهذا الغرض ورغم قوة الذراع الأمني في الدولة انذاك لذلك الطريق لن يكون معبدا لكنه على قدر اهل العزم

◾️يتطلب ذلك تخصيص ادارة او مفوضية لجمع السلاح يديرها الجيش و يشارك فيها القيادات الأهلية والمواطنون والأجهزة الامنية والعدلية وتكون العقوبات في قانونها مغلظاً والوسائل كابحة وقاهرة وغالبة وتغطي كل الولايات والمدن والقرى في جميع أنحاء السودان وإيجاد نسق لتعويض مالكي هذه الأسلحة بحيث تكون الأسلحة في حوزة القوات النظامية ومتى ما دقت طبول الحرب مرة اخرى (والدنيا ما معروفة )يمكن استخدامها وتوزيعها على من تدربوا هكذا تفعل الامم الراقية والمستقرة