
تسع توصيات خرجت بها لجنة الطوارئ الاقتصادية في اجتماعها الخاص بمحاصرة تدهور قيمة الجنيه مقابل العملات الاجنبية . غير ان التوصيات بالرقم ٤ و٥ تعد الأكثر اهمية لانها تتعلق باستحواذ البنك المركزي على شراء وتصدير الذهب مما خلق ردود افعال متباينة بين التأييد والرفض
هل الخطوة تمثل احتكارا من الدولة لسلعة ما ؟ ام انها خطوة لبناء احتياطات من الذهب بما يحقق الامن المالي للدولة؟
إن بناء البنوك المركزية لاحتياطيات من الذهب لا يمثل احتكارًا بالمعنى الاقتصادي الضيق، ولكنه يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في السوق. الاحتكار هو سيطرة كاملة على العرض أو الطلب لسلعة معينة من قبل طرف واحد، بهدف التلاعب بالأسعار. بينما البنوك المركزية هي جهات تنظيمية تُدير احتياطيات الدولة، وتشتري الذهب لضمان الاستقرار المالي، وليس لتحقيق أرباح احتكارية.
- الهدف: تشتري البنوك المركزية الذهب لأهداف استراتيجية تتعلق بالسياسة النقدية والاقتصادية، مثل تنويع الاحتياطيات والحماية من التضخم، وليس بهدف السيطرة على السوق لتحقيق مكاسب شخصية.
رغم أن البنوك المركزية تعتبر من أكبر المشترين للذهب على مستوى العالم، فإنها لا تسيطر على كل المعروض أو الطلب العالمي. سوق الذهب ضخم جدًا ويتضمن العديد من اللاعبين الآخرين، مثل المستثمرين الأفراد، وصناديق الاستثمار المتداولة، والمصنّعين، وشركات التعدين.
غالبية البنوك المركزية من باب الشفافية تعلن عن احتياطياتها من الذهب بشكل دوري، مما يمنع التلاعب السري بالأسواق، على عكس ممارسات الاحتكار التي غالبًا ما تكون غير شفافة.
صحيح ان مشتريات البنوك المركزية يكون لها تأثير كبير على أسعار الذهب في السوق . . فعندما تزيد البنوك المركزية من مشترياتها، فإنها تُحدث طلبًا كبيرًا يساهم في دفع الأسعار للارتفاع، كما حدث في السنوات الأخيرة. هذا التأثير ناتج عن حجم المشتريات وليس عن نية احتكارية.
هذا يجعلنا نبحث عن اجابة السؤال ..
هل خطوة حصر شراء وتصدير الذهب على بنك السودان المركزي فقط باعتباره اداة مالية وسياسة اقتصادية استراتيجية، ام كسلعة احتكارية تهدف إلى السيطرة على السوق.
قرار حصر شراء وتصدير الذهب على بنك السودان المركزي تترتب عليه آثار اقتصادية ايجابية وسلبية ..
فمن اهم الاهداف الاقتصادية والمالية التي يمكن ان يحققها مثل هذا القرار تتمثل في تعزيز الاحتياطات النقدية اذ يتيح احتكار بنك السودان للذهب زيادة احتياطاته من الذهب وهو الطريق الأمثل لتعزيز قوة الجنيه ودعم استقراره في مواجهة التقلبات التي أفرزتها الحرب .. أضف إلى ذلك محاولة التحكم في سعر الصرف عن طريق التقليل من تذبذب العملة وحمايتها .. كذلك فان احتكار البنك المركزي لشراء وتصدير الذهب من الممكن ان يكون احد ادوات الحماية من تصاعد وتيرة التضخم . وتحقيق الاستقلال المالي في ظل التوترات الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية والتأثيرات السالبة لحرب الجنجويد على الاقتصاد .
هذه الخطوة إذا أديرت بطريقة صحيحة وشفافة من الممكن ان تؤدي إلى التحكم في العرض والطلب وتؤثر بشكل مباشر على سعر الذهب في السوق المحلي . كما تمكن بنك السودان من مواجهة الأزمات باستخدام احتياطاته لتوفير السيولة اللازمة وتمويل استيراد السلع الأساسية بما يحدث استقرار في سعر الصرف.
لذلك يمكن القول ان تدخل البنك المركزي في سوق الذهب يتجاوز مجرد بناء الاحتياطات إلى التأثير المباشر على السياسات المالية والنقدية في السودان.
هذه الخطوة مجربة في عدد من الدول والسودان ليس استثناء .
في مصر مثلا يتعامل البنك المركزي مع سياسات الذهب بشكل استراتيجي يهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي بالبلاد . حيث يتدخل البنك من خلال الشراء من الانتاج المحلي من شركات التنقيب لتعزيز احتياطاته من الذهب دون الحاجة لاستخدام العملات الاجنبية . بالنسبة لسياسات التصدير فالمركزي المصري يضع ضوابط صارمة على عمليات التصدير لضمان ورود الحصائل بالعملات الأجنبية مما يدعم احتياطات النقد الاجنبي حيث يعتبر الذهب جزءا اساسياً من احتياطي النقد الاجنبي لمصر مثله مثل الدولار والعملات الرئيسية الاجنبية .
التأثيرات السلبية لهكذا قرار تظهر إذا كانت قرارات البيع والشراء غير شفافة ( الدغمسة) وقد تظهر ارتفاع غير مبررة في أسعار الذهب في السوق المحلي . كما قد يقلل من فرص الاستثمار المباشر في الذهب كما قد يؤثر ايضا على الشركات العاملة في قطاع التعدين بسبب فرض قيود على التصدير .
البعض انتقد القرار لانه يمثل اداة من ادوات الاحتكار والتضييق على القطاع الخاص العامل في مجال تصدير الذهب . لكن بالنظر لما تعانيه البلاد من شح في موارد النقد الاجنبي وتهرب كثير من المصدرين من إرجاع حصيلة الصادر تبقى القرارات الاستثنائية مهمة جدا لايجاد معالجات لوقف التدهور في العملة الوطنية .
لكن من المهم التذكير ان نفس هذا القرار ليس بجديد فقد اتخذه البنك المركزي عدة مرات منذ عهد الإنقاذ لكنه فشل بسبب عدم وجود آليات تنفيذ وبسبب سيادة عمليات التهريب وارتفاعها بشكل غير مسبوق . ولضعف آليات الرقابة والمتابعة وبسبب التجاوزات والاستثناءات والفساد والمحاباة من قبل كبار المسؤولين.