بقلم – دكتور يوسف العميري
يحكى أنه كان هناك ثلاثة ثيران يعيشون في غابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر. وكان الأسد يخاف من ثلاثتهم مجتمعين.ذات يوم، جاء الأسد إلى الثيران وقال لهم: “إنكم لا تقدروني حق قدري، ولست أريد أن أعيش في هذه الغابة معكم. إذا أعطيتموني الثور الأبيض، فسأغادر الغابة وأترككم بسلام.”فكر الثيران الثلاثة في الأمر، ورأوا أن الأسد قوي جدًا، وأنهم لا يستطيعون أن يقاوموه. فقال الثور الأبيض: “أنا أوافق على أن أذهب مع الأسد.”فرح الأسد واصطحب الثور الأبيض معه خارج الغابة، وأكله. وبعد ذلك، عاد إلى الثيران وكرر الأمر حين طلب من الثور الأحمر أن يسلم له الثور الأبيض ليتركه هو يعيش في سلام، فحدث ما حدث وعاد الأسد إلى الثور الأحمر مرة ثالثة ليلتهمه، فقال الثور الأخير: “نعم، لقد أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.”هذه القصة العربية الأصيلة برمزيتها أتذكرها عند النظر إلى الأحداث الأخيرة في غزة، إذ بات واضحًا أن هناك حاجة ملحة لموقف عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية. فالغرب يتكتل خلف إسرائيل ويدعمها بشكل علني، سواء كان ذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. وفي المقابل، نحن العرب نظل منقسمين، وحتى المشاورات بيننا تقتصر على لقاءات محدودة للزعماء والقادة. فأين الجامعة العربية من هذا الواقع؟ لقد حان الوقت لتفعيل دور الجامعة العربية بشكل أكبر وأقوى.إن وحدة الصف والتضامن العربي هي الأساس في مواجهة التحديات القائمة أمامنا. يجب أن ننحي خلافاتنا العربية – العربية جانبًا ونفكر بشكل جماعي في كيفية الدفاع عن الوطن العربي، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن أيضًا تجاه قضايانا العربية الأخرى. فنحن جميعًا في خطر إذا لم نتكاتف ونتحد.وعلى الجامعة العربية أن تلعب دورًا أكبر في دعم وتعزيز التضامن العربي. يجب أن تكون المنصة التي تجمع قادة الدول العربية وتعزز التعاون بينهم. يمكن للجامعة أن تنظم قممًا ومؤتمرات عربية واسعة النطاق لمناقشة القضايا الهامة واتخاذ القرارات المشتركة. كما يمكنها تعزيز التواصل والتعاون بين الدول الأعضاء في مجالات الاقتصاد والأمن والثقافة والتعليم.علاوة على ذلك، يجب أن يكون لدى الجامعة العربية دور نشط في إشعال الوعي العام بأهمية الوحدة العربية ودفاعنا المشترك عن قضايانا. يمكنها تنظيم حملات إعلامية وتثقيفية لنشر الوعي بأهمية التضامن العربي وعواقب تفككنا. يجب أن يتم تمكين الشباب العربي من المشاركة الفعالة في هذه الجهود، حيث إنهم يمثلون أمل المستقبل وقادة الغد.
صحيح أن الشعوب العربية جميعها تعبر عن تضامنها ومساندتها للقضية الفلسطينية، ويُلاحَظ ذلك من خلال التظاهرات والاحتجاجات التي تندلع في العديد من البلدان العربية ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وفي الأراضي الفلسطينية الأخرى. إن هذا الغضب الشعبي العارم يعكس العمق والشغف الذي تحمله قضية فلسطين في قلوب العرب.ومع ذلك، فإن الدور الحالي يقع على الحكومات والجامعة العربية لترجمة هذا الغضب الشعبي إلى خطوات وقرارات حقيقية وفعالة. يجب أن تعمل الحكومات العربية بتنسيق وتعاون متبادل لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.على الحكومات أن تتخذ إجراءات سياسية واقتصادية ودبلوماسية لدعم القضية الفلسطينية. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات دعم الجهود الدبلوماسية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وتقديم المساعدة الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني.أما بالنسبة للجامعة العربية، فعليها أن تتبنى دورًا قياديًا في تنسيق الجهود العربية وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء. يجب أن تعمل الجامعة على تكثيف الدبلوماسية العربية للدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وتنظيم قمم واجتماعات عربية لبحث القضية واتخاذ القرارات المشتركة.علاوة على ذلك، يجب أن تكون هناك حملات توعية وتثقيف للشعوب العربية حول قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني. يمكن أن تلعب وسائل الإعلام العربية دورًا هامًا في نشر الوعي والتعريف بالقضية والتأثير في الرأي العام.بالتنسيق والتعاون بين الحكومات العربية والجامعة العربية، يمكن ترجمة الغضب الشعبي العربي إلى إجراءات وخطوات حقيقية تدعم القضية الفلسطينية وتعزز حقوق الشعب الفلسطيني. ومن المهم أن تستمر الجهود في هذا الاتجاه بشكل متواصل وثابت حتى تحقيق العدالة والسلام في المنطقة.في النهاية، يجب أن ندرك أن تجاوز الخلافات العربية وتحقيق الوحدة ليس مهمة سهلة، ولكنها مهمة ضرورية وحاسمة. إذا لم نتكاتف كعرب ونتحد في مواجهة التحديات المشتركة، سنظل في حالة ضعف وتشتت، وستستمر القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية في أن تتأزم وتتفاقم. لذا، على الجامعة العربية والقادة العرب أن يتحملوا مسؤوليتهم ويعملوا بجد لتعزيز التضامن والتعاون العربي، وأن يتخذوا إجراءات عملية لحل الخلافات الداخلية وتوحيد الجهود لمصلحة العالم العربي بأسره.