ايمن مزمل
لقد استطاع حميدتي وبعبقرية يحسد عليها أن يجعلنا نقف على الأطلال ونذكر الأحبة في مطلع قصائدنا كأي شاعر عربي مخضرم من زمان الجاهلية (يحترم نفسه!!!)، فالملازمين لا تعبر عن تلك البقة من الكرة الأرضية والتي تجاور النيل في ام درامان وحسب، بل هي رمزية لدفء البيت الكبير، هناك كارثة في البلد؟ فمن المؤكد أن الوالدة سوف تأخذنا إلى الملازمين، معتوه ما قرر ضرب الإذاعة السودانية في منتصف الثمنينات من القرن الماضي بالطيران هذا يعني أننا سوف نقضي يومنا في الملازمين، على الرغم من أن الإذاعة نفسها تقع في قلب ذلك الحي!!!، أزمة الكهرباء في البلد على أشدها أعتقد أن الحل سهل، في الملازمين المبتغى، فبيتنا الكبير يقع في امتداد خط ساخن ما بين الإذاعة وخزان المياه الرئيس في المدينة، هل نتحدث عن ازمات وقود طاحنة والوالد (رحمه الله تعالى) يبيت ليلته في محطة لتقديم المحروقات البترولية بانتظار الفرج، معناها ان نبيت نحن كذلك ليلتنا تلك في الملازمين، اعتقد ان المأوى من امطار منهمله من السماء وسيول على الارض حطمت المنازل بلا هواده ان نحتمي بمنزلنا في الملازمين، هل نذكر قمندانية الشرطة في الملازمين والتي تخرج منها (زفة المولد النبوي الشريف) عصرا في ليلة (القفلة) كما تسمى لا بد من اللحاق بها من هناك بشغف!!، في مجتمع الملازمين لابد ان تجد (كل شيء وعكسه!! )، فهذا امام المسجد يجتمع بداره العامرة قادة الحزب اليساري السوداني الشهير!!!، باعتبار ان ابنه احد هؤلاء القادة، ثم ان (الاسياد) كما يصفون من قبل حواريهم من قادة حزب تقليدي شهير يجاورون في المسكن اسرة ضابط شاب يساري متحمس قاد انقلابا عسكريا ضدهم مع آخرين!! هل نحدثكم عن الرأس مالية الوطنية والتي تجاور الشيوعية، الم اقل لك ان به (اي حاجة وعكسها!!)، في البيت الكبير لابد ان تجد شعور (كل شيء سوف يكون على ما يرام)، والذي قد تفتقده خارجه في مواسم كوارث وازمات البلد الكبرى، حيث لن يقله احد لك، بل سوف تستشعره و (حبوبة) تقوم باعداد الطعام وكأن شيئا لم يكن، وكذا في صدى غرفة (يابا) وهي تهتز بتلاوته للقرآن بصوته الجهور الاجش والجميع يوجهك بخفض الصوت تقديسا لتلك اللحظة، وفي خروج احدهم للحاق بتمرين (كرة القدم) في الحي، وفي عودة آخر من السوق بعد ان جلب منه ما يحتاجه المنزل، ثم يأتي العيد بفرحة لقاء الاحبة مجتمعين في ذلك المنزل العامر، فيتسامرون ويتضاحكون قبل ان يحوله ذلك الجنرال التعس الى مأساه!!! ، في عقل كل سوداني بيت دفيء (لايهم اين هو) قد يكون في البراري او ربما في السجانة او في توتي،او الركابية،او شمبات، او نمرة ثلاثة،او الصحافات، به ذكريات من زمن ماض، دنستها اقدام نجسة قادمة من صحارى افريقيا الكبرى، كل ما تعرفه عن الخرطوم انها مدينة الصولجان والحكم، فتحلم (بالعوين والمال) وترتد الينا تلك الاحلام على شاكلة مآسي وإحن، فالطلقة لاتقتل إلا من الذكريات احلاها واغلاها.