• بالتأكيد سيكون الألماني فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان قد أخطأ التقدير لو ظن أن ما جاء به إلى هذه البلاد هو عبارة عن نزهة أفريقية في بلاد النيلين، أو لو استسهل ما سيقوم به في السودان، مقارنة بما أداه في سوريا النازفة والجريحة ،التي يعتقد كثير من راصدي ومراقبي الوضع السوري أن فولكر نفسه زاد في جراح بلاد الشام تعميقاً وفي نزفها تدفقاً .
• فولكر مواجه بحقائق أساسية ـ قبل أن تكون عقبات في نظره لو ظنها ـ على رأس هذه الحقائق وبلا مواربة ذلك الشعور العام الذي يسري وسط قطاعات المجتمع السوداني بأن رئيس يونيتامس يمثل جناح المجتمع الدولي الظالم والطامع والمتربص ببلادنا لفرض هيمنته الثقافية والاقتصادية اللتين بهما تصير السياسة منقادة من أذنها.. هذا الشعور لن تغيره (أكلشيهات) الدبلوماسية في التفويض الأممي على أي بند كان، أو مرجعية إيجاد البعثة بطلب من رئيس الوزراء المنصرف، أو تواتر مقررات مجلس الأمن الدولي عقب كل تقرير موسمي يتقدم به فولكر للمجلس، فقد بات شعوراً راسخاً،، أما العالمون ببواطن أمر البعثة الأممية فيحدثون عن سيادة النفوذ الأوربي وعلو كعب النفوذ البريطاني الذي تمثله سفيرة (البركاوي)، روزاليند ماري مارسدن، عرابة البرنامج المعلوم، ورائدة الموسسة المعروفة، وهذا كله مثير (للحساسية) الوطنية.
• تتسرب الكثير من المعلومات الآن عن عدم اتساق رؤية مكونات الآلية الثلاثية نفسها التي من المفترض أن تسهل وتراقب ما أطلق عليه الحوار الوطني / الوطني الذي أعلن عن انطلاقه في الفترة من 10 إلى 12 مايو الجاري ـ ولم ينطلق بالأمس كما كان متوقعاً ـ وربما يكون ممثلو الاتحاد الأفريقي والإيقاد توافقا على محاور عامة مع ممثل الأمم المتحدة بالخرطوم بشأن الحوار وإدارته، لكن لابد أن نفهم أن الدول المكونة لإيقاد والاتحاد الافريقي لها أيضاً مصالح مشتركة مع الدولة السودانية، ربما تتقاطع أو تتماهى مع الدول ذات التأثير على يونيتامس ـ فمثلاً يوغندا وجنوب السودان عضوتا الإيقاد لن تراقبا حواراً تشرف عليه الآلية على محاور عامة دون أن يولي اعتباراً لقضايا حساسة لهما مع السودان وعلاقات قوية وراسخة لهما مع الأجسام الصلبة في السودان.. كذلك دول من العيار الثقيل في عضوية الاتحاد الأفريقي كجنوب أفريقيا ومصر والجزائر لن تترك تفاصيل ومآلات الملف السوداني ليقرر فيه موظفو الاتحاد الأفريقي دون خضوعه لمعادلات، ربما لا تتسق أيضاً مع نفوذ أوربا الذي يمثله فولكر، ومن هنا يمكن أن يأتي عدم اتساق الرؤية في الآلية الذي يمكن أن يشار إليه بأحد فرضيات تعثر انطلاق ما أعلن عنه من حوار وطني / وطني .
• سيجد فولكر نفسه يحرث في البحر لو ظن أن الحوار يمكن هندسته بافتراضات غير واقعية حتي وإن لوَّنها بعبارة ظل يرددها بإستمرار (الاتجاه العام للمشاورات يشير إلى ذلك) ليقرر في أمور مصيرية أو يقطع في قضايا مختلف عليها لن تحسم مطلقاً إلا بتوافق وطني واضح أو بتفويض انتخابي بمعاييره المعلومة،، وهنا يتضح أن تجاوز أيٍ من القوى الوطنية التقليدية أو الحديثة من الحوار (المعلول) لا يعني ذلك بالضرورة هو إقصاء شخوص أو عزل أفراد، وإنما يعني حتماً تغييب لمحاور وقضايا ربما تكون من المرتكزات الوطنية أو المسلَّمات غير الخاضعة لمزايدات مع النفوذ الأجنبي .
• لا أرى ثمة ضوءاً في آخر نفق فولكر، وبهذا النهج الذي يحمل في ظاهره شيئاً، ويستبطن في داخله أشياء، أظن أن الفشل لا محالة سيلاحقه،، وقبل أن يحدث هذا أضم صوتي ناصحاً له مع أصوات الذين يطالبون بمغادرته على أنغام (لن ننسى أياماً مضت) بدلاً عن خروجه على إيقاع ( يا غريب يلا لي بلدك) ،، وإلى الملتقى.
• السوداني
تحليل دقيق وممتاز يشكر عليه الأستاذ مجدي