
التحويلات المصرفية بين السودان ومصر لا تعبر بتاتاً عن مستوى العلاقات التجارية.
العقدة الأساسية هي الالتزام المفرط من جانب البنوك المصرية.
يجب الارتقاء بمستوى العلاقات المصرفية الى مستوى العلاقات الاستراتيجية القائمة بين الدولتين.
في الورشة التحضيرية لملتقى رجال الأعمال السودانيين والمصريين، التي انعقدت بمركز المنارة للمؤتمرات بالقاهرة، تحت رعاية السفارة السودانية بالقاهرة، والشركة المصرية السودانية المصرية، وشركة زادنا، وشركة الصادرات المتطورة، تمت الإشارة الى أن الأرقام التي تصدر عن الجهات الرسمية بالبلدين حول حجم التجارة بينهما لا تعبر عن الحقيقة، بسبب وجود اقتصاد غير رسمي، أو اقتصاد خفي، يجعل حجم التبادل التجاري في حدود مليار دولار بينما هو في حقيقته حسب بعض التقديرات يتجاوز ثلاث مليارات دولار.
وعلى هذا فإن حوالي 2 مليار دولار تمر خارج النظام المصرفي لكلا القطرين، وهذه خسارة أكيدة للمصارف التجارية، التي تفقد هوامش خطابات الضمان، وعائدات الخدمات المصرفية الأخرى، وخسارة أكيدة للبنوك المركزية في كلا القطرين لأنها تفقد حصيلة عائدات الصادرات بالعملة الصعبة.
هنا يثور السؤال حول أسباب عدم التعامل المصرفي بين القطرين؟ من الواضح ان التعامل متعثر بسبب الالتزام المفرط Overcommitment من قبل البنوك المصرية.
(الامتثال المفرط) عبارة وردت في تقرير السفير إدريس الجزائري المقرر الخاص للتدابير الأحادية القسرية بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي أعد تقريراً مهنياً مهماً حول العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على السودان.
التقرير الذي قدم لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر 2016أشار بوضوح للآتي: (حدد المقرر الخاص عدداً كبيراً من البنوك من معظم البلدان في العالم (غير الولايات المتحدة وكندا) بما فيها الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصرف الصين، التي ترفض الوفاء بالتزاماتها بموجب خطابات الاعتماد التي يصدرها السودان).
وذلك على الرغم من إصدار الرئيس ترامب في أكتوبر 2017 قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، غير أن الامتثال المفرط استمر بدعوى استمرار وجود السودان في لائحة الدول الراعية للإرهاب.
ويضيف المقرر الخاص (وهذا وضع مفهوم إذا كان الأمر يخص خطابات اعتماد بدولارات الولايات المتحدة، لكنه أقل وضوحاً عندما يكون الدفع بالعملات الأخرى. ولا تنجم هذه الحالة المؤسفة عن الامتثال لنص قانوني واضح في العقوبات، ولكنه يتم لتفادي العقوبات الكبيرة التي تفرضها وزارة خزانة الولايات المتحدة.
إن الرادع الذي منع البنوك في كل أنحاء العالم من التعامل مع السودان هو العقوبة التي وقعت على بنك (بي ان بي باريباس) الذي فرضت عليه غرامة مقدارها 6.4 مليار دولار. والعقوبة التي فُرضت على مصرف (كريديت أقريكول) الذي فُرضت عليه غرامة مقدارها 787 مليون دولار. والعقوبة التي فُرضت على مصرف (كومير بانك) ومقدارها 1.45 مليار دولار.
ويستخلص المقرر الخاص (لدى معظم المصارف في كل أنحاء العالم شعور بأنها يمكن أن تتعرض لمثل هذه العقوبات في حالة تعاملها مع السودان، حتى لو كان هذا التعامل قانونياً وملتزماً بقواعد العقوبات).
ما أوضحناه هو العقبة الرئيسة التي تمنع التعامل المصرفي ما بين القطرين الشقيقين، الأمر الذي يستدعي صدور توجيهات عليا من قيادتي البلدين بتجاوز هذه العقبة، على أن تترافق التوجيهات بتعليمات لشركات التأمين بضمان العمليات المصرفية المختلفة لإزالة أي تخوفات لدى البنوك التجارية. والله الموفق.





