هنالك لحظة فارقة يعلم فيها المفاوض الفطن أنه إن لم يتحينها فقخنلن تتاح له مجدداً أبد الدهر بسبب انقلاب موازين القوة ؛لقد تجاهلت المليشيا وحاضنتها وولية أمرهما التوقيت المناسب لإدراك ما يمكن إدراكه من حقن للدماء وحفظ للأرواح بعد أن تبخرت أحلام السيطرة على السلطة أو الهيمنة على مقدرات البلاد حرباً أو سلما ؛فاليوم سيتملكهم الندم جميعاً على تعنتهم يوم كانت الرجاءات مبسوطة للخروج من الأعيان المدنية ومساكن المواطنين التي اغتصبوها ؛أما اليوم فإن وسيلة السلام الوحيدة المتاحة لمن بقي في رأسه شيء من عقل منهم فهي الاستسلام (سلم تسلم إن لم تكن ارتكبت جناية في حق أحد فالحق الخاص لا يسقطه إلا المواطن الذي وقعت عليه المظلمة إن أراد العفو ).
هاهو أسلوب التفاوض الأنجع حسب التجربة يجدي ويصبح الأنفع ؛فعوضا عن سعيهم لوضع السودان تحت الوصاية الدولية أو فرض السلام المهدر لسيادته والمهين لكرامة شعبه بالفصل السابع ،ها هو السلام يفرض بقتال الفئة الباغية (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )،ومثلما فوت الحمقى السلام فسيفوت جلهم الاستسلام لا مناص .
حاشية :
مثلما ابتهج الشعب بجموعه الهادرة في كل المدن والحواري والمنازح والملاجئ لتحرير مدني ،فستتوالى عرائس المدائن في التتويج بالأمس مدني ورفاعة واليوم تمبول وأم روابة وغدا الرهد والحصاحيصا والكاملين ومصفاة الجيلي إن شاء الله وستلحق أمبدة بعرس كرري وأمدرمان وتبلغ سوبا العريقة مقرن النيلين مهللة بأنها تجاوزت خرابا فاق ما ألحق بها عام ١٥٠٥ م لتحتشد العرائس في مولد الوطن الحر المستقل الأبي العزيز .ها هي ستارة الفصل الأخير تسدل على مسرح المؤامرة الهزيلة فيما كان بعضهم يحلم باستيقاظها من مواتها بالفصل السابع وحكومة المنفى.