د. مزمل أبوالقاسم
لا جدال على أن معركة الكرامة أفرزت العديد من الظواهر، الموجب منها والسالب، مثلما أفرزت العديد من المواقف، المُشرّف منها والمُخزي، كما تسببت في بروز شخصيات عديدة، منها من اصطفّ مع وطنه وجيشه وشعبه، ومنها من اختار أن يدمغ نفسه بخاتم الخيانة والخيابة، مديراً قلبه قبل ظهره لأهله المنكوبين بأسوأ وأقبح انتهاكات حدثت في تاريخ السودان، قديمه وحديثه.
ما يعنينا من الظواهر الغريبة والعجيبة التي تحتاج تحليلاً دقيقاً لتفسيرها واستيضاح مسبباتها ظاهرة غريبة ومحيرة، ملأت الدنيا وشغلت الناس، وتتعلق بالاختفاء الطويل لقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الذي توارى عن الأنظار وكفّ عن الظهور (طوعاً أو كرهاً) منذ يوم 18 مايو الماضي، الذي يمثل تاريخ (آخر ظهور) لحميدتي بعد حوار مباشر وشهير أجرته معه قناة الشرق الفضائية السعودية، ولم يظهر بعده إلا في تسجيلات صوتية وفيديوهات أثارت لغطاً كبيراً حول مصيره، وما إذا كان حياً وقادراً على التواصل مع الآخرين، أو انتقل إلى رحمة مولاه واقتصر ظهوره على مُخرجات الذكاء الاصطناعي وإبداعاته، كما يردد كثيرون.
المهم في الأمر أن حميدتي لم يتواصل مباشرةً على مدى أكثر من أربعة أشهر مع أي وسيلة إعلامية محلية أو عالمية، مثلما لم يتواصل مع كل قادة الإقليم والمجتمع الدولي، الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل، لماذا يرفض حميدتي (حال وجوده على قيد الحياة) التحدث مع شخصيات دولية بارزة بمقام وقيمة وقامة أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة، ورؤساء وقادة دول الجوار (وفي مقدمتهم السيسي وسلفاكير ومحمد كاكا وأسياس أفورقي وآبي أحمد) الساعين لحل الأزمة عبر منصة دول جوار السودان.. لماذا لم يحرص حميدتي على التحدث خلال الفترة المذكورة مع شخصيات بوزن وقيمة وتأثير أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وفيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وجوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، وموسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وبقية كبار القادة والمسئولين في المجتمع الدولي، ليقصر تواصله وأحاديثه على خالد سلك وطه عثمان اسحق وعبد المنعم بيجو؟
هل هناك أي منطق معقول، أو تفسير مقنع لظاهرة محيرة دفعت حميدتي إلى الكف عن مناقشة قضية الحرب مع قادة الإقليم والعالم، ليقصر اتصالاته على بعض قادة قحت، واهتماماته بالسؤال عن أحوال إعلامي كمنعم بيجو؟
نتوقع من قائد التمرد أن يوضح لنا مسببات تفضيله التواصل مع قادة قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) على قادة الإقليم والمجتمع الدولي في عز زمن الحرب، ونطالبه بأن يعدل قليلاً في أحاديثه واتصالاته، إن كان حياً يرزق وقادراً على التواصل مع الآخرين، ليتحدث (شوية مع دُولْ.. وشوية مع دُولْ).. أو كما قال القائد مني أركو مناوي في خطابه الدارفوري الشهير، لأن تفضيل طه على غرتيرش، وسلك على السيسي، وبيجو على بلينكن أمر لا يدعمه منطق، ولا يقبله عقل! د. مزمل أبو القاسم