ضياء الدين بلال
هذا العنوان مُستلفٌ مع التحية والمحبة من حقيبة أستاذنا الفاضل بروفيسور عبد اللطيف البوني أدام الله عليه نعمة الصحة والعافية وراحة البال وسلامة الروح وسكينة النفس بين أهله وعشيرته بقرية اللعوتة.
البوني رغم امتلاكه منزلًا بالخرطوم، لكنه ظلّ في قريته وبين أهله وزرعه وكتبه لا يغادرها صباحًا إلّا ليعود إليها مساءً ب (خدار سوق المسيد). كأنّه كان يدرك بعين اليقين بأنّ التناقضات والمُشاحنات والحزازات السياسية والعسكرية والفوارق الاجتماعية والطبقية الحادة والحقد الدفين ستنتهي بالخرطوم بعد عمار إلى خراب ورماد. جابو لي:
أرسل لي عددٌ من الزملاء قائمة تحمل عنوان (صحفيون من أجل الكرامة)..!
وجدت بها اسمي مع بعض الزملاء الذين أعرفهم وآخرين لا معرفة لي بهم…!
وإلى هذه اللحظة لا علم لي بمن يقف وراء هذه القائمة، وما هي أهداف المجموعة، ولماذا تم وضع اسمي دون أخذ مُوافقتي أو إخطاري.. على الأقل للعلم فقط؟!!
منذ دخولي بوابة العمل الصحفي في فبراير ١٩٩٨، لم أشارك في أيِّ نشاط حزبي أو سياسي أو نقابي، ولا أضع توقيعي إلّا على القوائم التي لها علاقة بالأنشطة الاجتماعية داخل الوسط الصَّحافي فقط.
أحاول ما استطعت أن أعبِّر عن نفسي بصورة مستقلة وخالصة دونما تأثير أيّة جهة.
وحسب فهمي للعمل الصحفي:
هو عملٌ فرديٌّ إبداعيٌّ يتجرد خلاله الصحفي من كل ميوله وأهوائه منحازاً إلى الحقائق قاصدًا مبتغى الحق، ومدافعاً عن المصالح العليا لمجتمعه، فهو ليس محايداً يخبئ آراءه في مساحات الغباش، بل مستقل جهير الصوت، مستقيم الخطى، غير قابل للاستمالة والتجنيد لمصلحة آخرين.
يحاول البعض تشويه موقفي تجاه الحرب الدائرة الآن.
للعلم وضد مُروِّجي الشائعات في مختصرات محددة، أعرض عليكم موقفي من الحرب:
أقف بكامل إرادتي الذاتية وقواي الوطنية ضد كل الحلول العنفية للصراعات السياسية.
أؤمن بالديمقراطية كخيار وحيد لحكم بلادنا عبر آلية الانتخابات، على أن يقوم الجيش بدوره الطبيعي في حماية البلاد ونظامها الدستوري.
قناعتي، الحرب تنتج الكوارث والمآسي ولكنها في الحالة السودانية فرضت على الجيش كخيار المضطر، منذ أن قرّرت قيادة الدعم السريع إدخال عشرات الآلاف من القوات إلى قلب الخرطوم دونما تنسيق مع قيادة الجيش.
ومن الوجود في أرض المعسكرات والمدينة الرياضية والتحرُّك نحو مطار مروي ومحاصرة المواقع الاستراتيجية ونصب المدافع في مواجهة القصر الجمهوري وقيادة الجيش، من هنا بدأت الحرب. قبل يومين من إطلاق الرصاصة الأولى كتبت على صفحتي بالفيسبوك:
كل الأشياء هناك قابلةٌ للاشتعال وفي انتظار شرارة ما أو رصاصة طائشة، الآذان تسترق دبيب النمل، والأعين المتوترة تبحث عن خيط المُؤامرة الأسود في عتماء الظلام، والأنف المتوجسة تتفحص الروائح.
وعند هذه الحالة فقط تخرج الحرب من غُـرف الكبار لتجلس على فوهة كلاشنكوف جندي صغير!!
لطفك يا رب، لم يعد في جسد الوطن مُحتملاً لجرحٍ جديدٍ. سمعت…!
استمتعت لحوار باهت وركيك مع شريف أحمد عثمان ، أحد الناطقين باسم قحت والدعامة، من الذين صبت في دمائهم عصارة الكذب المُخيف وهو يفتري زورًا وبهتانًا بأنّني ومجموعة من الزملاء خرجنا من البلاد قبل الحرب لنُمهِّد لها إعلاميًا..!
الرجل الذي يتحدّث وكأنّه على خُشب مسندة يعلم أنني غادرت البلاد قبل عام من اندلاع الحرب بعقد عمل ، والدكتور مزمل أبو القاسم موجودٌ بالدوحة قبلي بعام، والأستاذ عادل الباز مقيمٌ بقطر منذ ست سنوات…!
مُحاولة تزييف الحقائق وتشويه المعلومات لتسجيل نقاط ضد الخصوم، محاولة فاشلة وبائسة لا تنطلي على القراء والمشاهدين الذي لم يعد لهم قابلية السواقة بالخلاء، وتصديق من احترفوا الكذب والخداع من الديمقراطيين المزيفين والمتاجرين بدماء الشباب ، فقد كان رهاني قبل أربع سنوات:
(سنتركهم يخلعون ثيابهم قطعةً قطعة، ويتخلّصون من شعاراتهم الزائفة واحداً بعد الآخر، وحين تذهب السكرة وتحضر الفكرة سيجدون أنفسهم عراةً أمام عين التاريخ).
وقد كان. شفت….!
شاهدت كما شاهد الجميع عبر الفضائيات، الحرق المُتعمِّد للأبراج والمقار الحكومية من قِبل #المليشيا لتتأكّد حقيقة أنّ حربها ليست ضد #الجيش والفلول والكيزان، هي حرب ضد الدولة #السودانية، تاريخها وحاضرها ومُستقبلها لمصلحة مليشيا مُتوحِّشة تحت قيادة أسرية مُغلقة تستعين لإنجاز مشروعها السلطوي بمجموعات عابرة للحدود ودعم إقليمي خبيث.
فليس من الاستقامة الأخلاقية والسلامة الوجدانية يا شريف ، أن ترفع صوتك عاليًا بشعار (لا للحرب) ثم تتواطأ بالصّمت أو تكتفي بالهمس مع التجاوزات والجرائم الإنسانية المُترتِّبة عليها..!
وليس من الشجاعة أيُّها الشريف أن تهرب من إدانة تجاوزات المليشيا وهي تحتل المنازل وتنهب الممتلكات وتسرق السيارات وتحرق الأبراج وتنتهك أعراض الحرائر بالقفز الجبان من فوق حائط الكيزان القصير…!