فيما أرى / عادل الباز

في قاعة الأمم المتحدة.. قصة الحرب.. وأفق المستقبل

عادل الباز
1
قد يعتقد كثيرون أن خطاب السيد الرئيس البرهان لا جديد فيه، ذات الموقف وذات الحكايا، نفس الاتهامات للمتمردين جرى عرضها هناك في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الحقيقة أن خطاب السيد الرئيس البرهان حمل جديداً في أكثر من منحى كما سنوضح لاحقاً، ولكن الذين يهرفون بمثل تلك الأقوال لا يعرفون قيمة أن يخاطب الرئيس الرأي العام من أعلى منبر في العالم، فالخطاب مطلوب منه أن يوضح صورة حقائق الحرب وما يترتب عليها.. ويحدد ما هو مطلوب من العالم ويضع رؤية للمستقبل تحمل في جوفها التزامات للمجتمع الدولي وتطمينات،خاصة وأن السودان لا يزال يأمل في تفهمه ودعمه رغم مواقفه المختلة والمرتبكة. هذا ما فعله خطاب الرئيس البرهان. 2
ما هي طبيعة هذه الحرب؟.. أجاب الرئيس بأنها (حرب مدمرة شنتها عليه قوات الدعم السريع المتمردة، وتحالفت معها مليشيات قبلية وأخرى إقليمية ودولية واستجلبت مرتزقة من مختلف بقاع العالم.)
لماذا هي كذلك؟
لأن (هذه المجموعات المتمردة مارست جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في معظم بقاع السودان،فمارست التطهير العرقي وتهجير السكان من مناطقهم والعنف الجنسي والقتل على أساس العرق والتعذيب وكل ما يرقى إلى أن يوصف بأنه جرائم حرب في دارفور والخرطوم. وما حدث بغرب دارفور في الجنينة كان بمثابة صدمة للضمير العالمي كذلك في طويلة ومورني ومنواشي وحتى في الخرطوم يمثل خير شاهداً على ممارسات هذه القوات والمجموعات.)
إذن هذه هى طبيعة الحرب وقصتها وضعها السيد الرئيس أمام العالم وزعمائه وصحافته ومنظماته مع توفر كافة الأدلة والاثباتات (صورة صوت) معروضة على الأسافير وشاشات العالم وأمام محكمة الجنايات الدولية.
رغم كل ذلك.. ماذا كان موقف السودان؟
(قبِل بكل المبادرات التي يمكن أن تخمد الحرب ولكنها اصطدمت بتعنت المليشيا ورفضها لتنفيذ ما جاء بتلك المبادرات)!!
إذن والحال كذلك وبناء عليه ماهو المطلوب من المجتمع الدولي إزاء هذه الفظائع والإبادة التي تجري تحت سمع وبصر العالم ؟ طالب السيد الرئيس ب( تصنيف مجموعات الدعم السريع المتمردة والميليشيات المتحالفة معها كمجموعات إرهابية ارتكبت كل الجرائم التي تضعها في هذا التصنيف وضرورة التعامل الحاسم مع مَن يدعمها).
لماذا يفعل العالم ذلك.؟
إضافة إلى ما ورد ذكره أعلاه، (تلك المجموعة خطرها أصبح يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي، حيث استعان المتمردون بمجموعات خارجة عن القانون ومجموعات إرهابية من عدة دول في الإقليم والعالم مما يعتبر شرارة انتقال الحرب إلى دول أخرى في المنطقة حول السودان لأن التدخلات الإقليمية والدولية لمساندة هذه المجموعات أصبحت ظاهرة وواضحة مما يعني بأن هذه أول الشرارة التي ستحرق الإقليم والمنطقة وتؤثر مباشرةً على الأمن الإقليمي والدولي.).
إذن حكى الرئيس قصة الحرب وأسبابها والفظائع التي ارتكبت، محذراً من خطرها على السلم والأمن الإقليمي والعالمي، واضعاً العالم أمام مسؤولياته إذا كان هناك من يسمع وينصف.
3
ما الجديد فى خطاب الرئيس البرهان في الجمعية العامة بالأمس.. الجديد أولاً هو الإلحاح على تصنيف قوات الدعم السريع كمجموعة إرهابية بعد تمردها على الدولة، لأنها قتلت وأبادت.
خمس مرات ترددت في الخطاب كلمتي (إرهاب وإرهابيين) في وصف الدعم السريع
1- ومجموعات إرهابية من عدة دول في الإقليم والعالم.
2- مجموعات خارجة عن القانون ومجموعات إرهابية.
3- قوات الدعم السريع المتمردة والميليشيات المتحالفة كمجموعات إرهابية.
4- والهجمة البربرية التي تعرض لها من مجرمي الدعم السريع الإرهابيين.
5-لتخليصها من غدر المجموعات الإرهابية والمتمردة.).
بالطبع يعني هذا الإلحاح الكثير ويرتب أوضاعاً مختلفة إذا ما تم اعتماده دولياً وإقليمياً… وحتى إذا لم يجر اعتماده فداخلياً أيضاً ستترتب عليه إجراءات سياسية وقانونية تطال الإرهابيين والمتعاونين معهم.
وهذا تطور جديد، تطور مهم في تصنيف الحكومة السودانية لطبيعة تلك القوات التي انتقلت من التمرد للإرهاب الذي تمارسه الآن ضد المواطنين العزل بالقتل والتشريد والإبادة.
4
ثانياً: الجديد… هو عهد قطعه الرئيس أمام العالم (ما زلنا عند تعهداتنا السابقة بنقل السلطة إلى الشعب السوداني بتوافق عريض وتراض وطني تخرج بموجبه القوات المسلحة نهائياً من العمل السياسي ويكون تداول السلطة بالطرق الشرعية والسلمية المتمثلة في الانتخابات، حيث أننا نرى أن تكون هناك مرحلة انتقالية قصيرة تدار فيها الدولة بحكومة مدنية من المستقلين يتم خلالها معالجة الأوضاع الراهنة الأمنية والاقتصادية وإعادة الأعمار.).
حكومة مدنية.. من مستقلين..هذا هو الوعد الجديد.. يعنى ذلك أن الحكومة التي ستتولى أمر البلاد حتى الانتخابات هى حكومة مستقلة لا علاقة لها بأي من الأحزاب.. فلا حواضن لتلك الحكومة ولا أي جهة من حقها أن تسعى لإدارة الفترة الانتقالية بناءً على إدعاءات ثورية وحق إلهي بحكم السودانيين بغير رغبتهم.
ولى زمان التهديد بالحشود والانقلابات والحروب للاستيلاء على السلطة. هذا ما نص عليه خطاب الرئيس ليرتاح مدّعوا الشرعية الثورية من الطواف على العالم مستجدين حكومة يتسيدونها وتأتي محمولة على ظهر المجتمع الدولي أو الدول المتآمرة على السودان في الإقليم.
ما قاله السيد الرئيس بالأمس هو ذات مطلب الجماهير التي لم تعد تثق في الأحزاب وأجندتها المتعارضة المتشاكسة وعمالة بعضها للأجنبي.
هناك ملاحظة جديرة بالتوقف عندها وهي أن الخطاب لم يحدد أمد حكومة المستقلين تلك وبالطبع الجيش على رأسها.في تقديري أنه استحالة تحديد أمدها الآن قبل أن تضع الحرب أوزارها… ولكن مادام هي حكومة مستمرة إلى تسلم البلاد عبر انتخابات حرة للجهات المنتخبة لابد أن يحدد أمدها بمجرد نهاية الحرب.. حتى لا ندخل في دوامة حكم عسكرى آخر تتطاول مدتها بلا نهاية معلومة.
5
ثالثاً وأخيراً.. هو الاتهام المباشر للمنظمات الإقليمية بأنها ترهن نفسها للخارج.. قال الرئيس في خطابه (لابد أن أذكر منظماتنا الإقليمية أن تتحرر من الوصاية وتنظر إلى مصلحة الشعوب الإفريقية حتى تستعيد ثقة الأفارقة في حلول مشاكلنا، لن نستجدي أحداً ليشاركنا في حلها حسب مصالحه أو مصالح بلده.).
لأول مرة يتهم السودان المنظمات الإقليمية بالخضوع للوصاية الأجنبية وهي المنظمات التي تأسست أساساً لقيادة عملية التحرر الإفريقي من وصاية الاستعمار القديم والحديث وكأن الخطاب يذكرها برسالتها التأسيسية ودورها.. فبدلاً من أن يكون دوراً طليعياً في تحرير إفريقيا من قيود المستعمرين، أعادتها المنظمات الإقليمية وقادتها لتخضع مرة أخرى للاستعمار، ينهب ثرواتها ويعيد أهلها من جديد عبيداً مصفدين بأصفاد جديدة وبأيدي أبنائها.

اترك رد

error: Content is protected !!