د.ابراهيم الصديق
(1)
منازعات القوى السياسية والمدنية وتباين مواقفها هو احد مصادر المعلومات والبيانات للكثير من الأحداث وراء الكواليس وتعطى تفسيرات لبعض المواقف ، ومن ذلك مذكرة حزب الأمة القومي إلى دكتور حمدوك ورؤيته الاصلاحية ، وسبق ذلك تسريبات عن مواقف متباينة للحزب وبيانات بتوصيفات مختلفة ، وحتى يوم امس السبت 9 مارس 2024م تم تداول بيان بإسم رئيس الحزب وتم نفيه اليوم ببيان آخر ..
ومساء امس اجتمع وفد من الحزب برئاسة اللواء م فضل الله برمة مع الدكتور عبدالله حمدوك رئيس (تقدم) ، وقدم الحزب رؤية حول إصلاح (تقدم) واستعرض الإيجابيات والسلبيات ومقترحات المعالجة ، وقال إن الايجابيات تتمثل فى تشكيل جبهة مدنية عريضة والجهد الدبلوماسي ورؤية الحل..
اما النقاط السلبية وهى جوهر الرسالة فقد تناول فيها الحزب أسس التكوين والاختيار وإتخاذ القرار ، وهذه قضايا داخلية بين الحزب وتقدم وكنت قد أشرت لها فى مقال سابق عن حزب الأمة القومي وكونه أصبح فصيلة ضمن جماعات ومنظمات صغيرة ، و ما يهمنا هنا هو عدد من الملاحظات تقدم بها الحزب فى رؤيته :
*والنقطة الأولى: فقد انتقد الحزب توقيع (تقدم) إعلان مبادىء مع الدعم السريع مما سلب عنها الحياد وانتقلت إلى دائرة التحالف مع طرف ، وافتقدت بذلك دور الوسيط ، وللحقيقة هذه خطوة خطيرة وغير محسوبة العواقب أقدمت عليها (تقدم) ، ويبدو أن جهة ما سعت لتوريطها ، خاصة أن تلك الفترة شهدت التدافع الشعبي والمقاومة الشعبية مما اربك حسابات وخيارات المليشيا وداعميها ودفعهم إلى توفير حاضنة سياسية من خلال (تقدم) ، وفعليا نشطت بعض كوادرها فى بحث تدابير التعايش مع المليشيا خاصة فى ولاية الجزيرة..
- والنقطة الثانية هى الدور الأجنبي المتجاوز لكونه ميسرا و (ممولا ) ومساعدا للقوى المدنية ، وهذا أمر فى غاية الخطورة سياسيا وقانونيا وجنائيا ، فالدور المتجاوز للحدود يعتبر تدخلا فى الشأن الوطنى وهو تهمة خطيرة ، وكذلك التمويل من الأجانب والقانون الجنائي السوداني جرم ذلك ، وكون الحزب أكد على هذه المعلومة فإنه لم يعد مقبولا مجرد الاقتراب من هذا الخيار ، ومن الغريب أن حزب الأمة القومي وضع هذا البند متأخرا فى سرده للسلبيات ، مع أن إستلام أموال من أجانب وأطراف أجنبية هو جريمة وخيانة وطنية ، وهو ما يناقض القول بان الداعمين هم منظمات وجماعات ، بينما الإشارة هنا لربط التمويل بدور (متجاوز) والتجاوز فى هذه الأمور غير مسموح كبيره وصغيره سواء..
- اما النقطة الثالثة ، هى الحديث عن الإسناد الاعلامي لأحد طرفي الحرب ، فقد كان واضحا أن قحت وتقدم بعد إعلان أديس أبابا تحولت إلى حاضنة سياسية ورافعة إعلامية للمليشا ..
وهذه النقطة على صحتها فمن الغريب أن تأتى ووفد الحزب ضم (صلاح مناع و صديق الصادق المهدي) وكلاهما داعم إعلاميا للمليشيا فى كل تفاصيل خطابها وادعاءاتها ونفيها وإثباتها.. والحزب قبل غيره معني بذلك وقبل الأيام تم الإشارة إلى بيانين بلغتين مختلفتين فى حق الجيش والمليشيا.. - اما النقطة الرابعة فهى عدم إلتزام الدعم السريع إنفاذ ما أتفق عليه فى اديس ابابا ، بل القيام بعكس كل ما كتب ، ونقض المواثيق مثبت على المليشيا منذ اتفاق جدة مايو 2023م .. وهذا موقف يتطابق مع موقف الحكومة السودانية والتى تطالب بتنفيذ ما اتفق عليه..
(3)
الخلاصات التى يمكن الخروج بها من رؤية حزب الأمة القومي ..
أولا : هناك جهة ما تدير المشهد السياسي وتؤثر فيه من خلال قوى سياسية ومدنية ، بما يتجاوز حدود التيسير والوساطة إلى درجة التحكم فى تفاصيل التحالفات بالتقريب والإبعاد والإقصاء والتكويش ، فمن هى الجهة التى خططت إلى تهميش حزب الأمة القومي وتقليل دوره ؟ من هى الأطراف الاكثر تأثيرا على (تقدم) أكثر من حزب الأمة القومي ، لدرجة تحفظه على كثير من النقاط والمواقف..
وثانيا: من الواضح أن الراى العام للحزب قد بدأ الضغط على قيادته فى مواقفها وخياراتها السياسية ، ومن الواضح كذلك أن الاستجابة لذلك الضغط اوجد تيارات متنافسة ، اوضحها هيئة الأنصار بخطابها المباشر ضد المليشيا ، وهناك جهة تنازع لإحداث نوع من البلبلة فى تعبيراتها وبياناتها وأكثر المتهمين بها الامانة العامة للحزب..
وثالثا: فإن الرؤية والبيان عموما يكشف غياب الشفافية فى مواقف القوى المدنية والسياسية ، فهناك الكثير من النقاط على أهميتها وكونها تمس جوهر الراهن السياسي ومستقبل البلاد فإنها تظل مغيبة وخفية إلا حين خلاف..
هذه الرؤية كان ينبغى أن تختم بعبارة مفارقة ، فالظرف السياسي لا يحتمل قوى تفتقر الحياد والشفافية والوحدة ومخترقة من القيام بدور سياسي..
10 مارس 2024م