بقلم: عبد العزيزنور عشر
لقد تقاسمت الشعوب و الممالك السودانية، منذ أزمان غابرة، الشعوب الأخرى خيرات الأرض الممتدة التي ينتصفها أطول أنهار العالم ،نهر النيل الخالد، الذي قامت علي ضفتيه أقدم حضارة إنسانية، الحضارة الكوشية،وإستقبلت الهجرات البشرية ،موجاً إثر موج، و هجرات الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام .غير أن السودان اللاحق قد أصابته بما أصطلح في أحزمة الموارد المثقلة بالحروب في أفريقيا ب “لعنة الموارد” ، فظلت الموارد الذاخرة ،باطناً وظاهراً،والموقع الجيوإستراتيجي المتفرد دافعاً للغزاة على امتداد التاريخ القديم والحديث والمعاصر .حملة عبد الله بن ابى السرح علي مملكة المقرة المسيحية فى شمال السودان والتي انتهت بمعاهدة البقط عام651 م من المنظور التحليلى كانت بمقابل رجال و موارد اقتصادية وهي ذات دوافع الغزاة رغم ان للحملة اهدافاً اخرى.
تعرضت الممالك المسيحية والإسلامية فى السودان الى حملات عدوانية خارجية إستهدفت الموارد البشرية والاقتصادية لتلك الممالك والسلطنات، لقد أرّخت الذاكرة المجتمعية فى دولة دارفور ظاهرة “أم كواكية”، (من أم كواك) وهى حالة الفوضى العارمة التى أصابت المجتمع بما يشبه لما يحدث للسودان اليوم من جراء حملات الغزاة الأجانب مجهولي الهوية، لديهم خصائص وصفات الجنجويد اليوم، وبذات الدوافع والسلوك قتلاً ونهبا ًودماراً.
ومن وقائع التاريخ الثابتة تتمثل دوافع حملة محمد علي باشا علي السودان في عام1821م الرئيسية (الرجال والذهب) وهما عنصران حاسمان لتأسيس إمبراطورية موازية للإمبراطورية العثمانية التي كان يحلم بها الألباني محمد علي باشا.
لقد حقق الإستعمار البريطاني للسودان 1898-1956م كبرى أهدافه الإقتصادية باستغلال موارد السودان، اذ تمكن القطن المنتج من مشروع الجزيرة في السودان من منافسة القطن الأمريكي عالمياً وساهمت الصادرات الزراعية السودانية بشكل فاعل فى تقوية الوضع الاقتصادي المتردى من جراء الكلفة الباهظة لمستعمرات الإمبراطورية البريطانية التى توصف بان شمسها لاتغيب من فرط اتساعها على نطاق الكون ،لذلك ركز المستعمرعلي مناطق الإنتاج فقط فى السودان ،لاحظ البروفيسير النرويجي وفائى المتخصص في تاريخ السودان بأن المستعمر الإنجليزي كان قد قسم السودان الي سودانين: السودان المفيد :useful Sudan :هو الجزء الذي يغطي حزام الموارد المنهوبة
أما ما تبقى من السودان فهو السودان غير المفيد طبقاً لاهدافه.
السودان في نظر القوى الطامعة إما مخزنا طبيعياً احتياطياً للموارد و المواد الخام لذات القوى مستقبلاً ،أو أرضاً للصراع و الحروب لئلا يستيقظ المارد من سباته وأزماته كما نصح بذلك نابليون بونابرت قبل نحواً من مائتى عام في حالة مشابهة بأن يتركو العملاق الصينى نائماً : “الصين يهجع بداخلها عملاقاً نائماً فأتركوه نائما،فإن استيقظ سيهتز العالم”.
تتجدد اهمية السودان بوصفه مستودعاً حافلاً ومخزوناً للموارد النادرة والناضبة عالمياً كلما اتسعت رقعة وحدة التنافس الصناعي والتجارى والاقتصادي بين القوى الكبرى وتنامى حاجتها للمواد الأساسية للصناعات الهامة،بينما تزداد أهمية السودان الجيوإستراتيجية كلما ارتفع مقياس التنافس بين ذات القوى حول الممرات المائية وطرق التجارة العالمية وذلك لإطلالة السودان على اهم احدى هذه الممرات المائية، البحر الاحمر ومنطقة القرن الأفريقي ذات الاهمية الاستراتيجية، بجانب الموقع الجغرافي المميز بمثابة جسر حقيقى يربط بين اتجاهات القارة الاربعة.
العدوان الجديد علي السودان و حروب الجيل الرابع والخامس
لبلوغ أهدافها المتمثلة في السيطرة علي السودان و موارده صممت القوى الدولية الطامعة الحرب ضد السودان من خلال نظرية الجيل الرابع والخامس من الحروب التي لا تستخدم فيها تلك القوى جنودها و مواردها بل تستخدم فيها أدوات داخلية، وتمثل الحرب الحالية علي السودان حالة نموذجية لهذا النمط من الحروب بل تعتبر تطويراً لها وذلك بوجود من يتكفل بكلفة الحرب بسخاء بديلا عن القوى الطامعة و هو دولة الإمارات العربية . تتميز حروب الجيل الرابع و الخامس بتوظيف أدوات الصراع الداخلي والمراكز الهشة داخل الدولة لإشعال الحرب و من سماتها التماهي بين الخطوط السياسية و العسكرية و استغلال نقاط الضعف التي تعتري الجبهة الداخلية و بنية الدولة ،اذ قامت هذه القوى بهندسة العلاقة بين المليشيا وظهيرها السياسي قحت/تقدم وصممت الإتفاق الإطاري للإستيلاء علي السودان سياسياً عبر هذه العناصر العميلة غير أن القوى السياسية والمجتمعية قد أفشلت المخطط الأمر الذي حوله الي محاولة إنقلابية فاشلة قادها قائد المليشيا و تحولت الي حرب غير محسوبة مما جعل القوى التي تدير التآمر بأن تنتقل الي سيناريوهات عدة منها :
محاولة السيطرة علي السودان من خلال حرب شاملة وبفشلها انتقلت الي السيطرة علي دارفور واعلان دولة المليشيا وبفشلها تجري المحاولات عبر حيلة التدخل الإنساني لانقاذ المليشيا .
خيارات السودان :
اولاً: لتفادى سيناريوهات التفكيك ومهددات أمنه القومى وسيادته ووحدته الوطنية خيار السودان الاوحد هو ان ينتصر فى حرب العدوان الماثلة ،يجب الا يكترث لمحاولات إلهائه بمبادرات مفخخة لاضعاف تماسك جبهته الداخلية المصممة لإجهاض التآمر والعدوان،يعيد ذلك توازنه الوطنى والاقليمى ويمكنه من اعادة بناء ذاته على أساس من مواعظ التاريخ وتجاربه الذاتية .
ثانياً: لا مناص امام السودان -ضمن مشروعه النهضوى- من اعادة بناء وتعزيز قدراته الدفاعية لبلوغ مرحلة الردع الاستراتيجي حيث يقتضي التوازن بين المصالح والمهددات توافر شرط القوة كما لاحظ اصحاب النظرية الواقعية الكلاسيكية فى العلاقات الدولية بان القوة مرادف للمصلحة الوطنية ،وفى عالم يتسم بالصراعات ويموج بالاطماع لا يمكن حماية المصلحة الوطنية الا من خلال توازن القوى كما أشار ابرز منظرى هذه المدرسة Hans Morgenthau فى كتابه الشهير Politics Among Nations ،السودان لابد له من إعادة بناء قوات مسلحة متفوقة تسليحا وتجهيزا واعداداً على سائر جيوش المنطقة والاقليم وهى مهمة وطنية ذات اولوية قصوى فى سياق المشروع الوطني النهضوى.
ثالثاً: اعمار السودان بنهضة تنموية شاملة باستنهاض وتفجير كافة موارده البشرية والطبيعية وتوظيف خصائص موقعه الجيواستراتيجى مع الوضع فى الحسبان، بجانب حقول أخرى كثيرة،الميزة النسبية المائزة التى يملكها السودان فى مجال المخزون الهائل للمياه ومائتى مليون فدان من الاراضى صالحة للزراعة وهى مقومات ثورة زراعية تضع السودان فى المراتب المتقدمة مع الدول ذات الاقتصاد الزراعى.
رابعاً : التعاون والتكامل الاقتصادي مع القوى الإقليمية والدولية على أساس من المنافع والمصالح المشتركة والاعتماد المتبادل بما يحقق للقوى الطامعة مصالحها عبر التعاون بدلاً عن التآمر.
خامساً: السودان القادم من إرث الحروب والمعاناة، والمنتصر فى معركة البقاء ،والمستند على حضارة وخصائص جغرافية وبيئية نادرة ، القوي اقتصاديا والمتماسك قوميا وسياسيا ويمتلك قدرات عسكرية رادعة هذا السودان سيكون عاملا معيناً للاستقرار الاقليمى والتعاون الاقتصادي البناء مع الجميع وداعم للامن والسلام العالمى.