تُعد مشكلة اللاجئين من بين أهم القضايا الإنسانية إلحاحاً فى العالم ، ومن أكبر التحديَّات التى يواجهها المجتمع الدولى ، كون هذه الفئات من بين أكثر الناس تعرضاً للمعاناة .. والذى يُتابع أوضاع اللاجئين والنازحين فى معسكرات اللجوء والنزوح ويرى مشاهد البؤس والمعاناة على شاشات التلفاز أو فى الوسائط وهم لايجدون ملجأً ولا ملاذاً يقيهم البرد أو يقيهم الأمطار والجليد ، يشعر أن الحضارة الإنسانية ضُرِبتْ فى مقتل ، وأن الإنسانية بمدلولها الواسع وقيَمِها تنزف دماً حتى كادت أن تكونَ حرَضَاً أو تكون من الهالكين حُزناً على مِحنة الشعوب ومأساة البشر .. وسَرَحتُ بخاطرى وأنا أتابع ما أراه وصمة عار على جبين العصر ، على ما نحنُ عليه فى بلادنا ( وإذا الخاطر سَرَح عنَّك تأكد إنو راح ليكَ ) .. فكُنتُ أرى كغيرى من المتفائلين أن سوداننا أمام تحديَّات ولادة مشروع وطنى حقيقى يُلبِّى طموحات الشباب ويكسر نمطية إدارة الشأن العام ويبسط مظلة الأمن قمحاً ووعداً وتمنِّى .. إلاَّ أن الحقيقة المُرَّة والتى لا مِريَةَ فيها أنََ هُنالك أزمة حقيقية فى بلادنا ، وأن المشهد العام تتسارع فيه أنفاس الجميع يتسابقون ليتحسسوا موضع أقدامهم ويرونها فى مقبل الأيام ، وبات الجميع أكثرُ قلَقَاً وخوفاً من المسارات المجهولة التى تتجه إليها البلاد إن لم يستدرك الأمر المخلصين من عقلاء بلادى بالسباحة مع تيار الأزمات لتجاوزها حتى لايكون الغرق المؤكد فى دوامتِها .. فما نراه من فوضى لازِمام لها ولا خِطام لاتؤسس لحوار عقلانى هادئ بقدر ما تؤسس لأحداث صاخبة يملأ صداها أرجاء البلاد ، فالخروج من هذه الأزمة مرهونٌ بالثقة المتبادلة من الجميع وتجاوز حظوظ النفس فى التَرَّفُع والكبرياء حتى لا تغرق بلادنا فى الأوحال ولا تجرى سفينتها على اليابسة .. فالمسئولية أمام الله وأمام التأريخ ستقع على عاتقنا جميعاً حِينَ يُسَجَّلُ علينا أننا أحرقنا مراكِبَنَا وأفلَتنا من بين أيدينا فُرَصَاً عظيمة تَستَحِقُ مِنَّا الإهتمام والإغتنام .. فعندما تُصبِح بلادنا مُهدَّدة بالأخطار فإن حمايتها لا تقتصر على نُخَبِها وقادتها ، بل يكون لغِمَار الناس وعامَّتهم ، وكل الذى تحتاج إليه خِطابٌ وطنىٌ مُتصالح مع الذات ومع الوطن ، فإذا إنهار بناء الدولة فسَنُدفَنُ جميعنا تحته أحياء ، ومن يتبقى مُنَّا فمعسكرات اللجوء والنزوح مصيره ومآله لا قدَّر الله ، فعلينا أن نتصفح التأريخ الإنسانى الملئ بحكايا الصراع العبثى بين أبناء الملة الواحدة ، وحكاياه المليئة بالعِبَرْ ، فخطاب الكراهية وعدم قبول الآخر يُلغى مكانة العقل وقدرته على التحكم فى الأزمات ، ويكون دوماً الورقة الرابحة فى أيدى المتطرفين وسماسرة ومافيا الأزمات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية .. فبلادنا فى هذه الفترة الإنتقالية التى جاءت بعد مخاضٍ عسير ولم تطهر من دم النُّفاس بعد أحوج ماتكون لوضع اللبنات القويَّة لبناء منظومة حكم متكاملة تقوم على الوفاق بدلاً عن هذا التشاكس الذى يملأ صداه أرجاء المعمورة ويملأ الأسافير ذمَّاً وقدحاً ، حتى تَخرُج من دوَّامة التيه التى ظلَّت تدور حولها ستون عاماً ، وحتى تُحسَم جدلية تداول السلطة بطُرُقْ سلمية عبر عقد إجتماعى يرتضيه الجميع ، وحتى لا يدفع أهل السودان أثماناً غالية لتحقيق ذلكم الحُلُم المشروع ، وحتى لاتتحمل الشرطة قتامة المشهد قدراً مقدوراً وتتلقف عصَاها القانونية التى تتوكأُ عليها وتَهُش بها عبث المجرمين حِبَال وعِصِىَّ من يريدونها أن تبوء بإثمها وإثمهم ، وحتى لانرى هذا الإجماع الغريب حُكاماً ومحكومين للتعايش مع هذا القُبح والبؤس والنفايات والقاذورات والإظلام التام لمدينتنا ، وحتى لا يُعاقب بعضنا بعضاً بحرمانهم من حق الطريق تخريباً وتتريساً ، وحتى لا نُجازف بهذا الوطن العزيز ونرمى بأبنائه فى المخيمات ، فالعِزَّة فى الحياة لاتكون إلاَّ فى ( عَزَّة ) بالتعارف والتآلف والمحبة .
نسأل الله أن يحفظ بلادنا وأهلها من كل سوء .
الإثنين ٢٤ يناير ٢٠٢٢م