الأستاذ إبراهيم منعم منصور وزير المالية السوداني الأسبق، رحمه الله، كتب سلسلة من المقالات تربو على المائة مقال بالصحافة السودانية بعنوان (الفرص الضائعة) ثم عاد وضمن مقالاته هذه سفره الضخم (مذكرات إبراهيم منعم منصور) من منشورات مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية 2017 وفي تقديمه للفرص الضائعة قال (حفلت مسيرة الحياة الاقتصادية بل والسياسية ومنذ الاستقلال وبعده بأحداث شكل بعضها فرصاً ضائعة على البلاد تسبب فيها بعض القادة السياسيين كما تسبب فيها بعض رجال الخدمة المدنية، منها ما أودى بمشروعات هامة ضاعت على البلاد….).
من النماذج التي عرضها الأستاذ إبراهيم منعم حول الفرص التي ضاعت على السودان، مشروع انتاج البروتين الحيواني في غرب السودان، حيث قام في العام 1957 سفير السودان في الولايات المتحدة حينها الدكتور عصام الحضري باستقطاب مجموعة من الشركات الأمريكية التي خططت لإنشاء مجمعات ضخمة للأبقار والضأن، ومسالخ، ومصانع اعلاف، ومطارين في كل من الفاشر والجنينة، مزودين بمحطات كهربائية تشغل ثلاجات ضخمة، وذلك لنقل اللحوم المبردة بطائرات البوينج لمحطة وسيطة بقبرص، التي كانت مستعمرة بريطانية حينذاك، حيث يتم في قبرص وضع الديباجات البريطانية، ليسهل ولوج اللحوم السودانية للأسواق الاوربية. رفض وزير الصناعة والتجارة والتموين وقتها المشروع بحجة ان إنزال اللحوم السودانية في قبرص هو تمهيد لنقلها لإسرائيل! فضاعت فرصة تنمية حقيقية لولايات دارفور.
قصة تبرع شاه ايران ببناء سد ستيت على نهر عطبرة كانت من ضمن الوقائع التي تعرض لها إبراهيم منعم منصور في سرده للفرص التي ضاعت على السودان، حيث أشار الى مباحثات جرت بمناسبة زيارة الرئيس نميري لطهران عام ١٩٧٤، حيث طلبت ايران تخصيص أرض زراعية لزراعة فول الصويا حيث يفضل الإيرانيون زيته، بالإضافة لتربية الضأن الذي يفضلون لحومه كذلك. على أن تكون الأرض في شرق السودان ليسهل النقل. اقترح الخبراء السهول الطينية في منطقة الفشقة الحالية، ولكنهم قالوا انها تحتاج لسد مائي لاستدامة الري، فكان ان وعد الشاه ببناء سد ستيت تبرعاً من إيران لقيام المشروع.
فشل التنفيذ بسبب مقالة سليم اللوزي بصحيفة الصياد اللبنانية، حيث نقل معلومات من سياسيين سودانيين حول أسباب اقالة وزير الخارجية حينها منصور خالد، ادعى هؤلاء السياسيون أن وزير الخارجية المقال قال (ان ايران قدمت للسودان ما لم يقدمه العرب)، لهذا تمت أقالته. بسبب هذه الوشاية السياسية جمدت طهران مشروعها.
وزراء الزراعة العرب، كنتيجة مباشرة لتأثر إمدادات الغذاء للدول العربية بالحرب الروسية الأوكرانية، أصدروا بتاريخ 14 ابريل 2022 اعلان نواكشوط للأمن الغذائي العربي المستدام، أشاروا فيه الى أنهم يدركون أن الزراعة العربية تذخر بطاقات كامنة وموارد غير مستغلة، وأنهم بصدد إطلاق استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة 2030، والبرنامج العربي لاستدامة الأمن الغذائي.
السودان، بتقديري، أكثر الدول العربية تأهيلاً كلاعب رئيس في هذين البرنامجين، فعلى وزارة الزراعة، والوزارات المختصة، بالتعاون مع وزارة الخارجية، وبالاستعانة بخبراء المنظمة العربية للتنمية الزراعية، التي تتخذ من بلادنا مقراً لها، وقد سعدنا بإعادة انتخاب البروفسور السوداني إبراهيم الدخيري مديراً عاماً لها، رفع الاستراتيجية الزراعية السودانية، كمبادرة تقود الاستراتيجية العربية. الفرصة مواتية، فعلينا الا نضيعها كما ضاعت العديد من الفرص سابقاً. والله الموفق.