هناك (بوستات) على مواقع التواصل الإجتماعي تجد رواجاً لدى البعض على علاتها، لأنها لا تستهلك تفكيراً عميقاً والتي تبدأ عادة ب (أعجبني) او (اعلم جيداً) ثم يسرد كاتبها بعض الكلمات (وكأنها حقائق) مثل ان (الانجليزية والفرنسية هي لغات للتواصل وليست معياراً للثقافة!!). قبل زماننا (المهبب!!) هذا كانت اللغة لسان الثقافة ووعائها الجامع القادر على حفظها وحمايتها من الضياع. فاللغة هي نتاج لثقافة (شعب ما). حتى اللغة العربية بكل ما فيها من قواعد وتشبيهات وأدب وشعر وبلاغة هي ثقافة شعوب سادت، ثم بقي منتوجها من الثقافة. فاللغة ترتقي بارتقاء وعي شعوبها وثقافتهم. الناس عادة تميل الى تحوير كلمات اللغة وتبسيطها وابتكار كلمات جديدة، حيث يعتقد علماء الألسن بأن (الكسل) هو المحرك الرئيسي لهذا. فاللغات تتحور- مع الزمن- إلى لهجات. واللهجة مع الوقت تصبح لغة جديدة مع الاحتفاظ ببعض الصفات التي ورثتها من أسلافها. فعلى سبيل المثال اللغات الاوروبية (الانجليزية والفرنسية والايطالية الخ) كلها نتجت من (أُم) واحدة هي اللغة اللاتينية. وحتى اللغة الانجليزية مثلاً بدأت بالتحور إلى لغات أخرى. فأهل إنجلترا لديهم سمات لغة تختلف من الإنجليزية التي يتحدث بها الأمريكيون أو الاسكتلنديون وهكذا. هل مع الوقت سوف تنتج لغات جديدة؟ اعتقد ذلك. وبخاصة أن اللغة الانجليزية التي تستخدم في الإنترنت (إيميل ومواقع تواصل اجتماعي) أصبحت تبتكر كلمات وإختصارات لو إطلع عليها (شكسبير) لاصيب بالسكتة القلبية، لا شك في هذا. اللغة العربية ليست استثناء من كل ذلك، فالشاعر امرؤ القيس الذي وصف حِصانه في مطلع معلقته بأنه (مِكرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدْبِرٍ معًا كجُلمودِ صخرٍ حطّه السيلُ من علِ) لو استشار أحد شباب هذا الزمان لاختصر كل ذلك بأن حِصانه (مَكَنة!!) وحسب!!!، فحروف (القلقلة) والتي تحتاج الى مجهودا لإخراجها من مكانها الصحيح (مثل حرف القاف مكمنه من الحلق) يتحول الى حرف (غ) لدى جموع أهل السودان، فبدلا من نطق (قال لك)، بالضغط على تجاويف الحلق، تُستبدل ب (غال لك) تهاوناً وكسلاً!!، أو عبارة مثل (أي شيء هو) مع عوامل التعرية الطبيعية السودانية تتحور إلى (شيء هو) وتنتهي إلى (شن هو) او (شنو!!). ذلك التحور (الناتج عن الكسل) يظهر في كثير من الشعوب بلهجاتهم المختلفة، وبذلك تتحور اللغة. هل هذا أمراً مقلقاً؟ بمعنى هل مع الوقت سوف تضمحل اللغة العربية أو أي لغة أخرى؟ علماء الألسن يعتقدون أن اللغات المكتوبة (عادة) هي التي سوف تبقى، فالكتابة عامل رئيسي لحفظ اللغة بعكس تلك اللغات التي تعتمد على مهارتي التحدث والسماع فقط فأنها الى الزوال أقرب. الا أن الخطر الذي يجب الانتباه اليه يكمن في أن الشعوب الناطقة باللغة العربية اصبحت أكثر ميلاً الى تدوين لهجاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، لان الطرف الآخر (المُتلقي) يستسهل القراءة باللهجة المكتوبة أكثر من اللغة العربية الفصحى الرصينة ولا عزاء لمعلقات امرؤ القيس.