
محيي الدين جمعة
القاهرة ٨ اكتوبر ٢٠٢٥م الأربعاء
تبتدر القوى السياسية في الجبهة الداخلية من وقت لآخر حوارات داخلية بين الأطراف، سواء كانت تقام هذه الحوارات في شكل ورش او ندوات. ولقد شهدت الساحة السياسية الداخلية عدة مناشط سياسية ، جميعها كانت تتمحور حول مشروع الحوار السوداني- السوداني. نظمت حركة المستقبل في وقت سابق ورشة حول الحوار السوداني- السوداني أهميته ومفهومه، وانتهت الورشة دون تحديد نقاط مشتركة حول ما هية الحوار السوداني- السوداني.
كما ان هناك حراك حزب الأمة القومي الذي جاء مؤخراً إلى الجبهة الداخلية ويعاني من انقسامات داخلية الا أنه عزز الخطاب السياسي العام الداعم للقوات المسلحة مع أنه لم ينسجم بعد مع بقية القوى السياسية، وابقى نفسه منعزلاً عن بقية الكتل ليس كمثل حزب الاتحاد الديمقراطي الأصل الذي يعتبر جزء من الكتلة الديمقراطية.
من ناحية حجم الكتل السياسية المكونة للجبهة الداخلية، فإذا أخذنا كل كتلة سياسية على حدة نجد ان هناك تداخل وتشارك أحزاب وحركات سياسية في كتل مختلفة، مثل الكتلة الديمقراطية، وتنسيقية القوى الوطنية، والحراك الوطني، والقوى السياسية والمجتمعية، والجبهة الثورية. وكل هذه الكتل بمسمياتها المختلفة كانت كتلة واحدة تسمى نفسها كتلة التوافق الوطني ما عدا الجبهة الثورية.
جاءت هذه الأسماء دون انتقال منظم يشير الى تطور الكتلة من موقف الى موقف جديد وتحديث الآليات وتجديد الأطراف في الجبهة الداخلية، مما افتقرت الجهة الى عملية بنائية تنظيمية وبرامجية . واحدة من تحديات الجبهة الداخلية افتقارها الى انموذج تبني عليه مواقفها مثل ماهية الحوار السوداني – السوداني رغم ان في السودان نماذج عدة مثل الحوار الوطني الذي أقيم في الفترة السابقة، ان اخفاق الحوار الوطني السوداني، هو ان المؤتمر لم ينتج نظام سياسي جديد بل مدد الشرعية للنظام القائم ولكن من حيث التنظيم والإعداد كان مثاليا في هيكلته الا ان عدم حضور عدد من مقدر من المعارضه أضعف نتائجه. كم ان هناك عدة تجارب ناجحة بشأن الحوار الوطني، جاء بعد نزاعات أهلية طويلة ، مثل الحوار الوطني في جنوب أفريقيا، الذي انهى صراع سياسي طويل الأمد وأسس لنظام ديمقراطي واستقرار سياسي في البلاد كما ان هناك الحوار الوطني في سوريا الذي جاء كضرورة لإنتاج شرعية دستورية بعد سقوط نظام بشار الأسد وكذلك الحوار الوطني التونسي، والذي يعتبر أنجح حوار في المنطقة العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي واخيرا الحوار الوطني المصري الذي اعطى الشرعية لنظام عبدالفتاح السيسي العسكري. اما الحوارات الفاشلة التي فشلت في تحقيق الوحدة الوطنية بين كافة الأطراف مثل الحوار الوطني اليمني الذي قاد الى انقسامات عميقة في الدولة تهدد وحدتها وتماسكها، كما ان دولة ليبيا شهدت أزمة حادة لفشل الحوار الوطني بين الأطراف.لذلك تتحتم على الجبهة الداخلية ان تدرس ماهيه الحوار الوطني ومقاربتها بالتجارت المشابهة التي نجحت في انتاج شرعية دستورية وتعافي وطني .
مخاوف الجبهة الداخلية
تكمن مخاوف الجبهة الداخلية في افتقارها للشجاعة الوطنية التي تقود إلى مناقشة محاور هامة تتعلق بالحوار الوطني خاصة مسألة الأطراف. ومسألة الأطراف تمثل واحدة من المرتكزات الأساسية لنجاح الحوار ، خاصة ان الحوار ياتي بعد سقوط نظام فقد الشرعية ويعمل للعودة الى السلطة مجددا، وفي ظل حرب مستمرة يٌطرح هنا مسألة العدالة الانتقالية والمحاسبة والمصالحة الوطنية بين الأطراف. كما ان هذه الآليات للتعافي ليس كافية بل تحتاج الى تقديم ضمانات وتعهدات واعتذارات عن ما تم من التجاوزات والانتهاكات في فترة النظام السابق. لذلك تشابه حالتنا الحالة السورية التي ما تزال في طور تكوين الجنين ، حيث ان الأطراف لا تمتلك ضمانات كافية للمشاركة في الفترة الحالية، ومع ذلك تجرى في البلاد الانتخابات لتكملة هياكل السلطة خاصة الجهاز التشريعي الذي يعنى بمراقبة حكومة احمد الشرع .
لذلك تقيف مسألة اختيار الأطراف بما فيهم عناصر النظام السابق حجر عثرة في انتاج صيغة توافقية توحد رؤى الجبهة الداخلية. وهذه المسألة تستوجب على الجبهة ان تحسمها، هناك شخصيات من عناصر النظام البائد يمكن القياس عليها مثلما شهدنا في سرادق عزاء ابن الشرق الدكتور محمد طاهر إيلا احد رموز النظام السابق الذين لهم قبول شعبي ولم يسبق لهم ارتكاب جرائم بحق الشعب السوداني، وعليه ان تتبنى الجبهة الداخلية آلية لكيفية اختيار عناصر من النظام السابق، رغم التحديات التي يعيشها نظام المؤتمر الوطني نفسه من انقسامات عميقة وهي ربما ستظل اكبر اشكالية تواجه وحدة الجبهة الداخلية او استقرار النظام السياسي برمته.
وحدة عناصر الجبهة الداخلية
يلاحظ ان جميع اطراف الجبهة الداخلية لم توحد بينهم تجربة سياسية وتنظيمية مشتركة، بل هم نتاج موقف من سياسات قوى الحرية والتغيير _المجلس المركزي. فهم ياتون من خلفيات متنوعة ومتباينة وكل له تجربته الخاصة، منهم من كانت تجربته في الكفاح المسلح وآخرين تظيمات سياسية ذات خبرات طويلة وتظيمات قليلة التجربة.
وكان من الطبيعي ان تكون تباينات هذه الخبرات بين اطراف الجبهة الداخلية المعزز لتطوير العمليه السياسية والحوارات البناءة الداخلية التي تنتج القواسم المشتركة بين كافة الأطراف. ولكن ما يهدد وحدة عناصر الجبهة الداخلية هو افتقارها للصلابة السياسية التي تؤسس عليها النقاشات بحيث تكون النقاشات هادية للانتقال الى المستقبل بل تكون موجهة نحو سياسات ليست فقط الداخلية وانما الخارجية كذلك . لذلك يلاحظ ان كل عنصر يتخوف من فقدان هويته ووجوده في العملية السياسية وذلك يشير الى هشاشه هذه العناصر ، لان ما تهدف اليه الحوارات الداخلية هي تبادل وجهات النظر في كل القضايا المطروحة وخاصة التي تسببت في الحروب الداخلية او كما لخص فرانسيس دنيق ” المسكوت عنه هو ما يفرقنا” لابد من مناقشة القضايا التي يخشاها الجميع وهو الغرض الأساسي من ادارة الحوار الداخلية، وراينا كيف عالجت الحوارات الوطنية أزمة مثل أزمة دولة جنوب أفريقيا، او أزمة رواندا، ونسأل أنفسنا سؤال جوهري يخص الضحايا هل سأل اي من التنظيمات السياسية احد ضحايا الحرب الحالية ضمن الحوارات الداخلية والذين يتحدثون عن أصحاب المصلحة الحقيقيون؟ الم يكن من الواجب ان ياتي احد الضحايا من الجنسيين يحكي للحاضرين تجربته ؟ هذه هي الحوارات الداخلية التي يجب ان تكون . وهي ذات الحوارات التي انتجت التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا وانتجت كذلك المصالحة الوطنية بين الفرقاء وكذلك هي التي قادت الى دولة رواندا الحديثة الحالية بعد تمت هيكلة الحوارات الداخلية وشملت الضحايا الحقيقيون بصورة مباشر ثم يليهم السياسيون اصحاب البرامج المستقبلية. تفتقر الجبهة الداخلية أيضا الى عناصر فكرية التي يكون دورها اثراء النقاشات والحوارات عبر مرجعيات ونظريات سياسية حول الانتقال وما بعده والمقاربات العلمية المشابهة للحالة السودانية. وكذلك القوى الإبداعية او كما يوصفون بالقوى الثقافية والاعلاميين ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في المشهد الإنسانية والتي هي الأخرى معنية بمخاطبة القضايا الإنسانية ومعالجتها وتبحث عن آليات وشاركات خارجية.
خلاصة القول، ان الجبهة الداخلية بحاجة إلى ان تتجاوز الازدواجية التي تعيشها والاستقطابات البينية ،وتطرح رؤية سياسية توحد كافة الأطراف، تمثل وثيقة الوحدة الوطنية، لتكون الهادي والداعم للسلطة الحالية التي بلا شك تُتعرف شرعيتها داخليا وخارجيا.