من جميل ما قرأت عن تفسير الآية الكريمة : ( إن الله لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .. أى أن الله لا يغير ما بقومٍ من النعمةِ والإحسان ورغدِ العيش حتى يغيروا ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفرِ ، أو من الطاعةِ إلى المعصية ، أو من شُكرِ نِعَمِ الله إلى البَطَرِ بها فيسلبهم الله عند ذلك نِعمِه التى كان أنعم عليهم بها . أسوق تلك المقدمة لأقول إننى دائم التفاؤل بالشخصية السودانية التى هى أهلٌ للمحامد ، وأنظر إلى أخلاقها وسلوكها الإيجابى بوجهٍ باسمٍ ، مؤمنٌ بأن الذى يسودها هو قانون الإيثار الموجِبُ للإيمان ، فقد ضربت أروع الأمثلة وأجزلها فى مكارم الأخلاق حيثما إرتحلت وأينما حلَّت ، ودأبت الأجيال على التأسى بأسلافهم فى غرس فسائلها وتعهدها بالسقاية والرعاية من الآفات الوافدة . وهكذا ظلَّ مجتمعنا السودانى يحرص على غرس تعاليم ديننا الحنيف وقيمنا الموروثة والراسخة فى ذاكرة بنيه حتى تلبسوا بها وتدثروا بأخلاقها ، وكانت بمثابة المضادات الحيوية التى تحصنهم وتحميهم ، إلى أن ظهرت بعض الأصوات التى إتخذت من حرية التعبير دابةً تمتطيها لتزدرى قيم المجتمع ، ولِتَعُضُّ الوئام المجتمعى لأهل السودان بنَابِ سوءٍ وتَبُثُّ سمومها القاتلة للأخلاق والمروءة .. ومن نائبات الزمن الردئ أن خَرَجَتْ علينا فى مدينتا وفى أفضل أيام السنةِ وأبركها نِسوةٌ يُطالبن بتحرير المرأة من أحكام الولاية والقوامة والميراث ويَهتِفنَ ضد الأبوية . والمتأمل لواقعنا المأزوم اليوم يجد أننا نعيش همجية وفوضى فى كل شئ ، ولا مبالاة لتعاليم الدين والقوانين المدنية والأعراف التى يتقيد بها غيرنا من الشعوب .. فَمَنْ يَظُنُّ أن ما يحدث الآن هو آلام المَخَاض فليعلم أنَّ للمخاض مُدةٌ معلومة إن تجاوزها فسنفقد دولتنا السودانية أو أهلها أو الإثنان معاً لاقدر الله كما يحدث للأم وجنينها فى حالات الولادة المتعثرة .. فلماذا يحاول البعض إسقاط أوتاد الدولة المشدودة بالمحبة والمودة ليسقط بنيان الوطن على الجميع و( يسقط ) الجميع فى إمتحان الوطنية . إننا بحاجة ماسة لنقد موضوعى ومعرفى لذواتنا ولمجتمعنا يضمن لنا معالجة البثور والدمامل من وجهه ، ولنمارس عبره التمييز الإيجابى لأبنائه لتكون الأفضلية لأصحاب الخَلق والإبداع وليس لأصحاب الدعوات المُنكَرة ، فالضوابط الأخلاقية والسلوكية هى التى تحدد مسار الدولة والمجتمع حتى يكون لها هيبتها وإحترامها المستَمدَّانِ من قوة القانون والمشفوعان بالمحبة ، ففى ظِل ثقافة الإحترام تتحسر مثل تلك الدعوات المُنكرة والمعزولة فلايزال أهل السودان يُحسِنون الظَّن بمجتمعهم وإنَّما هو إستشعارٌ لآلامه وأنينه ، وحتى لايكون هتاف ( ضِدَّ الأبوية ) القندول الشنقل الريكة ، والقطرة التى أفاضت الكأس المُترع أصلاً ، فمن بعض ما قاله نزار قبَّانى يوماً : ( إننى عندما أصرخ فلأنَّ الصرخة تكون بحجم الطعنة .. ولأنَّ الطعنة تكون بمساحة الجرح ..!! ) حفظ الله بلادنا وأهلها وأخلاقها وقيمها من كل