لم يتوقع خالد الاعيسر أن يترك مدينة الضباب ليسكن على ساحل البحر حيث الحرارة على أشُدها مع رطوبة خانقة و شُح مُخل في الامداد الكهربائي. قبل حرب الكرامة، الذين يعرفون الاعيسر هم تقريبا أقربائه و أصدقائه و زملائه و لكن بعد تمايز الصفوف و وقوف جُلْ الجماهير مع القوات المسلحة، خرجت فئة تناهض الدولة السودانية و تقف مع التمرد من إعلاميين و صحفيين و قادة رأي عام و برزت ثُلة مميزة من الصحفيين في ذات الوقت تدافع عن مشروع الهوية السودانية، و كان صوتهم في ذلك الوقت نشازً حيث المال السياسي يتدفق كثيرا و كانت المليشيا في عنفوانها الأول تتسيد الأمكنة و مرافق الدولة و تحتل الأعيان المدنية.
لمع نجم الاعيسر في هذا الوقت الدقيق و الحساس و الفارق يهزم بلكمات قوية و بمنهج و حُجى واضحة كل الادعاءات و الشائعات التي يُروجها منافسيه مَنْ يحملون فكرة التمرد الشاذة.
احتفت القنوات الفضائية بهذا الصحفي العنيد و المقاتل الشرس الذي يقنع المشاهد بوجهة نظره مدافعا عن قيادة الجيش و الشعب السوداني، و بهذا تكون معركة الكرامة بكل ثقلها قد قدمت خالد الاعيسر للجهاز التنفيذي ليصبح وزيرا للثقافة و الإعلام.
يطفُر للذهن سؤال بأن وزارة كهذه بكل مشكلاتها المعقدة العميقة يُصلحها شاب لا خبرة له في دهاليز دواوين الحكومة الباردة و الروتينية إلى حد قاتل ؟هذا السؤال يؤدي إلى بدايات عمل الوزير في أيامه الأولى اذا اعتبرنا الوزارة كرقعة شطرنج فكل التحركات تمت بنجاح، من زياراته و لقاءاته بالصحفيين و العاملين مرورا بتحفيز الموظفين و ليس انتهاء ببيان تحرير سنجا كناطق رسمي باسم الحكومة.
في اعتقادي ان المعاول الأساسية التي تساعد الجيش في معركة حسم التمرد وزارتيّ الخارجية و الإعلام لأنهما منوطان بالتوضيح و التبشير و الترويج و أخيرا الدفاع عن كل ما يصيب السودان من وسائل مسمومة أو انتهاكات من مؤامرات و تدنيس و شائعات، التغيير دفع بوزيرين أحدهما خبير تكنوقراط السفير دكتور علي يوسف و الآخر ابن أصيل لمعركة الكرامة الأستاذ خالد الأعيسر.
يحتاج كل هذا التغيير في هاتين المؤسستين وقوفا صلبا من قيادة الدولة، فقِسمت المال الشحيح يحتاج إلى مهارة فائقة في انفاقه على أولويات تماسك الدولة و عدم هزيمتها من الداخل و الخارج.
قد يبدو هذا الحديث به مجاملة للقائمين بأمر الدولة الذين يعملون في ظروف صعبة و مريرة و قاسية و لكن هذا قدر الرجال و قدر نهضة الشعوب بعد الكوارث العاصفة.