∆ ربما لو لم تكن الغفلة ونشوة السلطة وتركيز النظر نحو الأهداف الذاتية وقضايا تصفية الحسابات بشكل متجاوز للقانون تسيطر على القوى التي تنفذت في البلاد فيما قبل 25 أكتوبر الماضي التي انحصرت الآن في مجموعة المركزي وأحد أجنحة الأمة، ولو تبلورت الإرادة والرؤية الواضحة لهذه القوى آنذاك ـ كما كان يجأر الإمام الراحل الصادق المهدي بالمناداة بها ـ لإنعقد لتلك القوى وبالفرص التي أتيحت لها قيادة الحوار السوداني السوداني الذي يمكن أن تنتج عنه مخرجات حقيقية تعبر بالبلاد إلى بر الأمان عبر فترة (انتقالية) حسنة الإدارة ومحدودة الأهداف، كما هو المطلوب الطبيعي لفترات الانتقال .
∆ وربما يقول لي (محق): أنت واهم .. فأصلاً لم تتكالب هذه القوى على امتلاك السلطة إن كان بالتوافق مع العسكر أو بالصعود على جماجم الشهداء إلا لذاتيتها التي هي أهم من التوافق الوطني أو (لفش غبينتها) التي تسبق في الأهمية تحسس آلام ورغبات المواطن المطحون،، وحتماً سيتواضع قولي إن أشرت إلى ما كان مأمولاً حين كنا نستمع لأحاديث ياسر عرمان الوردية أول عهده بعد العودة إلى الداخل وقبل توليه منصب المستشار السياسي، أو لحظات تفاعلنا مع مبادرات رئيس الوزراء المنصرف د. حمدوك وهو يلقي الخطابات الجذابة التي تحدث الناس عن أهمية الوفاق الوطني، وإن ألحق بعباراتها مفردة (ما عدا) .
∆ رغم كثير من التحفظات الإجرائية والشكلية المتعلقة بدور الآلية الثلاثية فيما أبتدر أمس من حوار مباشر شاركت في جلسته التحضيرية القوى الوطنية وأطراف العملية السلمية، بجانب المكون العسكري وغابت عنه (قحت المركزي) والحزب الشيوعي وبعض واجهاتهما، إلا أن ذلك الحدث الذي سبقه خطاب رئيس مجلس السيادة مساء الثلاثاء يمثل مشهداً جديداً كلياً ساهمت في رسمه عبر أسابيع وأيام وليال القوي المستجيبة والمكون العسكري والآلية الثلاثية دون تجاوز في رسمه للمعتذرين أو الرافضين ، لكنه حال السياسية في بلادنا منذ أن برزت فيما قبل او بعد الاستقلال أن لا توافق مكتمل أو تراضٍ تام (إلا بالشديد القوي) .
∆ كذلك سبق حدث الأمس والمشهد الجديد متغيرات كثيرة ـ كحال السياسة ايضاً ـ على رأس هذه المتغيرات عدم الرضا الشامل عن عهد الانتقال بكل تقلباته ومعتركاته ومساجلاته، ومرد ذلك هو عدم انعكاس التغيير نفسه الذي توج في أبريل 2019م على حياة الناس إيجاباً إن كان في معيشتهم أو صحتهم أو في تعليمهم بل الأخطر تسرب الإحساس اليهم بفقدان الأمان، وإحساسهم اليومي بالانهيار المتسارع للاقتصاد الوطني،، وبما سبق تغيرت أيضاً موازين الشارع الذي يلوح به كفزاعة من قبل بعض القوي فلم يعد الشارع الآن محتكراً لقوى بعينها، ويبدو أن بعض القوى الدولية والإقليمية التي تنتظر جني مصالحها مع السودان باتت تنظر لهذه المصلحة من زاوية تحقيق الاستقرار في البلاد على الأجندة الأخرى (المستبعدة او ربما المؤجلة) لذلك تلاحظ على مستوى المراقبين مدى الدعم الذي أبدته هذه القوى الدولية لعملية الحوار .
∆ بلا شك وبطبيعة هذه البلاد وتكوينها الأهلي والتقليدي والحديث لن تسوَّق فكرة إحتكار الحوار، أو تسّيُد منصاته لفئات دون أخرى، ولن يرضى سوداني (بالحقارة) ،، هب وقد حدث هذا هل ستكون الأزمة السودانية في طريقها الى الحل أم أنها ستزداد تأزماً ؟ نتيجة للإقصاء والتفرد؟،، لذا وبكل معطيات المشهد التي تناولنا جانبا منها، ورغم التحفظات الكثيرة الإجرائية يمثل حوار الأمس المباشر كسراً للطوق الذي فرض من قبل،، والذي تمارس الضغوط لإعادته من جديد،، وإلى الملتقى..