مكي المغربي
تخيلوا لو أصاب عاصمة اي دولة في العالم .. نيكراغوا أو موزمبيق أو نيجريا زلزال في قلب العاصمة، وضرب المطار وقصر الحاكم ونصف مقر أركان الجيش وأدى هذا الى ماس كهربائي وحرائق وانهيارات، وتناثرت الجثث في الطرق وتحت الانقاض، وعلق الكثير من المدنيين داخل الخرائب، ولكن رغم هذه الكارثة التي ضربت خمس مناطق في العاصمة، وهي بالمساحة الجغرافية للدولة نسبة أقل من 0.5 % ، ولا تزال لدى هذه الدولة سبعة مطارات، ثلاثة منها دولية، أحدها أحدث من مطار العاصمة نفسه، ولدي الدولة أيضا جيش جرار وشرطة وثلاثة موانيء بحرية، وأربع موانيء جافة و 17 ولاية أخرى سالمة من الأذى، بمعنى أن هذه الدولة لديها 133 محلية، والضرر الحقيقي في 5 محليات في العاصمة، ومحليتين في ولايات أخرى.
ما حدث نكبة حقيقية، ومأساة انسانية، أنا لا أقلل منها، ولكن لا يعني أن هذه الدولة انهارت البتة، ولا تحتاج إلى “مباعيث” لوصفة الحل ولا اهتمام عالمي يفوق حرب أوكرانيا، أو نذر الرعب النووي.
بل لو فكرنا ايجابيا، يعني أن هذه الدولة ستقوم على خطة جديدة تتعلق بالسلامة والتأمين ونقل المؤسسات العسكرية من مناطق السكن، وضرورة وجود مطار بديل و مخزون أدوية و مستشفيات ولائية أحدث وأفضل لتخفيف الضغط على العاصمة.
ربما تكون هذه النقمة نعمة على هذه البلد وتحول تاريخي مذهل للأفضل.
طيب .. احذف اسم الدولة واكتب السودان بذات الأرقام أعلاه، ماذا ستفعل لو طلب منك مقترح حل؟! وماذا ستقول لو طلب من رئيس هذه الدولة ووزراؤه وقادة جيشة واجهزته نصيحة؟!
أنا نصيحتي، عبارة واحدة (استئناف الحياة الطبيعية) في 126 محلية من أصل 133 فورا وبدون تردد.
أولا: منح الولايات سلطات أوسع وتحويل مجلس الوزراء إلى مجلس ولاة، ووضع الوزراء في القطاع الخدمي في مستوى استشاري استراتيجي الى حين العودة الى وزاراتهم تنفيذيا، لأن التنفيذ حاليا ولائي، وهو أصلا كذلك في الخدمات والصحة والتعليم.
ثانيا: عمليا، العاصمة الديبلوماسية في المكان الذي يأوي إليه الديبلوماسيون مؤقتا، والمطار الذي تستقبل فيه الوفود، وعمليا وزارة الطاقة ستكون في أكبر مقر توليد كهرباء في الخدمة، وعمليا وزارة النفط في أكبر مصفاة أو حقل انتاج، عمليا وزارة الزراعة في أكبر مشروع زراعي، وزارة الصحة في أضخم مستشفى ولائي .. وهكذا الى حين تعديل الخطة.
اعتبروا هؤلاء الوزراء في زيارات عمل ميدانية لمدة شهر في مرافقهم الحيوية الكبرى.
في كل هذه الأماكن قطعا توجد بنية تحتية ومكاتب واستراحات ومولدات كهرباء، ربما أفضل من وزاراتهم الحالية.
الان .. لتكتمل الصورة بهدوء وتفكير عقلاني .. احذف نيجريا واكتب السودان، واحذف (الزلزال) واكتب (تمرد) ونفذ الخطة الاسعافية اعلاه.
الحل بكل بساطة تطويق وحصار مناطق التمرد وعزلها من بقية المناطق، ونشر كشوفات بالأسرى فيها وافتتاح مراكز للهلال الأحمر والصليب الأحمر وتسليم الملف اليهم للتأكد من حياة الأسرى، واحالة كل الجرائم لوزارة العدل والقضاء العسكري .. كل حسب دائرة اختصاصه.
من يريدون رفض الحرب من السياسيين ومزدوجي الجنسيات عليهم أن يحملوا الرايات البيضاء واغصان الزيتون ويدخلون منطقة المليشيا ومعهم الكاميرات ويطلبون تسليم الرهائن والدروع البشرية لهم تحت رعاية الصليب الأحمر و طائرة درون بث مباشر لتوثيق كل ما يحدث.
هذا هو مكان مناهضي الحرب، وليس التسكع في بورتسودان، لتناول السمك والجمبري المشوي في “مطعم السقالة” واستنساخ مقهى “أوزون” آخر في بورتسودان للخضوع ولعق الأحذية الديبلوماسية والأممية.
لكن بأي حال لا يجوز احتجاز السودان كله لما يحدث في 20% من الخرطوم.
ما هي علاقة المزارع في مشروع الزيداب أو دلتا طوكر بتمرد في شارع الجمورية ورهينتين في التلفزيون؟ فشلت كل اتصالاتي لتأكيد حقيقة اختطافهم أو اسماؤهم؟ ومن يعلم يخبرني؟
ما هي علاقة مشروع الجنيد ومصنع سكر الجنيد بعشرين سيارة متمردين محاصرين في المدينة الرياضية؟ اذا كان السوق المركزي جوار المدينة شغال؟ لماذا أغلق مصانع الولايات؟ لماذا اهدد الموسم الزراعي في السودان كله؟ من أجل مفاوضات مجهولة الأجندة، والتوقيت والزمان والمكان؟
هنالك قوات وغرفة عمليات عسكرية ولجان قانونية ومحاكم معنية بالمحليات السبعة المنكوبة من 133.
ستصبح الوساطات بعد هذا الفرز بين جسم الدولة .. و “حبن التمرد” … وساطات لاخراج المدنيين والاسرى بالكامل من هذه المنطقة .. أو ربما اخراج المدنيين والمقاتلين معا، اذا رأت الدولة المقايضة المريرة.
مهما يكن من حل عسكري أو أمني أو أحكام قضائية .. هذا لا علاقة له بالسودان الذي يغلب عليه الامن والاستقرار وخصب الأراضي ووفرة المياه.
وجود فلول التمرد المهزوم في 20% من الخرطوم لا قيمة له الا لأنهم في منطقة استراتيجية.
انزع عن هذه المنطقة صفة الاستراتيجية مؤقتا، يصبح لا قيمة لها، كأنهم في سفح جبل عوينات، ومعهم الف أسير سوداني عزيز النفس، وعليهم جرائم حرب وتعويضات ضحايا.
تحجيم المشكلة سيجعل كافة الحلول في يد الدولة .. من الحسم العسكري الى العفو واسقاط التهم مقابل فكاك الأسرى ومصادرة الأموال لصالح الضحايا.
من أراد ايقاف الحرب من قادة الأحزاب السياسية ومن المبعوثين الأممين .. يسمح له بالدخول لمنطقة المتمردين المعزولة، ويدون أقرارا بمسئوليته عن حياته. فليذهب وليجلس تحت الشجرة مع حميدتي ويقنعه بأن الأربعة ضباط من 480 هم الخونة وليسو ال 476؟!
ان الوفاء الحقيقي للشهداء الذي ماتوا لنحيا ويسلم السودان من هذا المخطط الانتهازي الدموي هو أن نستأنف الحياة الطبيعية من أجل أبناؤهم وأهلهم.