لا احد يدري ما الذي صححه قائد الجيش الفريق اول عبدالفتاح البرهان ورفاقه في كابينة القيادة العسكرية بقرارات الخامس والعشرين من اكتوبر، ولايعلم احد علي وجه التحديد ما اراده الرجل من هذه الخطوة التي كبدت البلاد خسائر فادحة في الارواح وضاعفت من معاناة المواطن الاقتصادية وفاقمت من الانفلاتات الامنية وزادت من حدة الاحتقان السياسي واغتالت فرص الحلول والتسوية والتوفيق بين ابناء الوطن الواحد…
البرهان رفع امس الاول حالة الطوارئ واعلن اطلاق سراح المعتقلين السياسيين من انصار شركائه في المكون المدني الذين اطاح بهم لكنه مازال ينتظرهم بعد ان( انقلب عليهم ) لاحداث توافق سياسي يمضي بالبلاد الي بر الامان ..
لم يشعر احد اصلا بحالة الطوارئ المعلنة لم نر لها اثرا علي الامن والتعامل مع المواكب والتظاهرات او حتي الخارجين علي القانون، بل انها لم تطبق يوما علي احد بما يظهر هيبة الدولة ويجعل لقوانينها سطوة وقيمة.
بامكاننا ان نتفهم ان حالة الطواري محض اعلان سياسي لتمرير خطوات لاحقة ذات طبيعة استثنائية.. بصراحة لم يستشعر احدا ان هذه الحالة قد تلبستها حياتنا العامة فغيرت فيها او اضافت لها.
توقعت كذلك ان يستصحب اجراء رفع الطوارئ قرارات تجعل لكثير من الخطوات التي اعلنها البرهان بعد الخامس والعشرين من اكتوبر اسانيد قانونية واولها بقاء الدولة بلا حكومة وتحت قيد التكليف لتصريف اعباء الوزارات، لكني لم اسمع حتي الان عن اية قرارات ترفع الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد وفي مقدمتها اعلان حكومة تقود بلادنا في المرحلة القادمة..
يعتقد كثير من انصار الواجهات السياسية التي اقالتها قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي ان البرهان( قال احي) مثلما يرددون في هتافاتهم وهو يرفع حالة الطوارئ ويفرج عن معتقليهم السياسيين ولهم حق في الاحساس بطعم الانتصار بعد ان حقق لهم البرهان بعض المطالب ولكن من حق الشعب السوداني ان يعلم لماذا فعل الفريق البرهان كل ما اقدم عليه في الخامس والعشرين من اكتوبر المنصرم والي اين سيقود البلاد خلال المرحلة المقبلة .
اعلن البرهان (حالة طوارئ )لم
يستخدمها الا في ما يتصل باحتياجه لتوظيف بنود الوثيقة الدستورية لحظة قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر، ظلت البلاد تسدد فاتورة سمعة الطوارئ السيئة في نظر العالم .. بينما لا اثر لقانون الطوارئ علي الارض.
(البرهان يمسك العصا من النصف) عبارة تجري على السنة خلق كثبر ليس من باب تحريضه علي مزيد من القمع بمواجهة شركائه السابقين وخصومه الحاليين ولكنها عبارة تحاول البحث والتعرف علي ما يريده الفريق عبدالفتاح البرهان وهو يعود لرفع حالة الطوارئ ومغازلة حلفاء الامس والشركاء الدوليين عبر اجراءات لم يكن هنالك ما يدعو لها اصلا..
اطاح البرهان بالدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء المستقيل في ذلكم التوقيت ثم اعاد تعيينه في ذات الموقع قبل ان يغادره لفشله في احداث التوافق المطلوب وتعيين الحكومة..
برر البرهان لقرارات الخامس والعشرين من اكتوبر بحرصه علي ابعاد الاحزاب السياسية واعادتها الي دورها حتي تستعد للانتخابات لكنه عاد ليسلمها قياد الامور ويتشبث بالمبادرات ومحاولات احداث التوافق التي تقودها ذات الاحزاب..
ابرز ما جاء في مسوغات قرارات البرهان التي وصفها بانها تصحيحية الحرص علي استكمال هياكل السلطة الانتقالية، مضى وقت كثير والحال يراوح مكانه ، ( ازداد الطين بلة) لاننا فقدنا الان مجلس الوزراء ورئيسه ، حتى الدولة توشك ان تضيع الان بفعل حالة التوهان وفقدان البوصلة وفراغ هياكلها العريض..
جمد البرهان لجنة ازالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو واعتقل قياداتها وكون لجنة لمراجعة عملها ( لم نسمع بها)، لكنه لم يعد حقا الي اهله ولم يرفع ظلما حاق باي من معتقلي اللجنة الذين مايزالون في السجون ثم عاد للافراج عن قياداتها دون ان يسالهم عن ما اقترفت ايديهم بحق ابرياء نزعوا ممتلكاتهم بلا سبب ، كما انه اغفل سؤالهم عن موضوع البلاغات التي دونت في مواجهتهم بعد الخامس والعشرين من اكتوبر..
من يصدق ان القرارات التي اتخذتها اللجنة مازالت سارية وان البرهان اطلق سجاني اللجنة وابقي علي بعض معتقليها في الزنازين.
حرية الاعلام في انتقاد البرهان مبذولة باكثر مما كانت عليه قبل قراراته الاخيرة وهذا امر جيد.. لكن اجهزته تتعامل بعنف مفرط مع حرية التظاهر والتعبير في الشارع بما يعكس صورة غير حقيقية للحكومة التي تبدو ب(مظهر الحريات) احيانا وترتدي ثوب القمع في احايين اخرى..
يتروى البرهان واركان حربه في كابينة القيادة العسكرية والامنية مع القنوات التي تتخذ موقفا عدائيا صارخا من الحكومة والعسكر، وتبطش اجهزته في ذات التوقيت بتلك التي تتخذ سياسة هادئة ومتوازنة للحد الذي جر عليها سخط بعض الواجهات المؤثرة في الشارع.
مازال سؤال الشارع مطروحا بعد ثمانية اشهر…ثم ماذا بعد قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر يا سعادة الفريق اول عبدالفتاح البرهان، رايناك تفعل الشئ وضده ، البلاد بلا حكومة، ودولاب الدولة معطل و(الحال واقف) والشعب ينتظر ما بين الاحباط واليأس توافق الحاكمين علي مجرد تشكيلة وزارية تقود البلاد حتي مرحلة الانتخابات.
ما الذي جنيناه حتي الان من قرارات الخامس والعشرين من اكتوبر، لماذا تم اعلانها طالما ان الساسة عادوا من الشباك الان يبحثون عن موطئ قدم في الحكم من جديد.، لماذا تم حل الحكومة واعلان حالة الطوارئ وتعقيد المشهد للحد الذي سالت فيه الدماء وصعد الشهداء وفقدت البلاد ارواح عزيزة نسال الله ان يتغمدهم بواسع الرحمة والمغفرة طالما ان الحال ظل كما هو بلا تغيير يذكر..
ماذا يريد سعادة الجنرال عبدالفتاح البرهان ( مساك الدربين) وهو ( ضهيب) بكسر الضاد مثلما يقول المثل السوداني، ولماذا فعل كل ما فعل.. ذات السؤال نعيده مرة اخرى بعد قرار رفع الطوارئ ، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ؟؟!!