د. مزمل أبوالقاسم
في السادس من شهر يونيو الماضي تحدث الشقيق قريب الله السماني (القيادي بالتجمع الاتحادي) عن حيثيات فصله من التجمع بقرارٍ باطل اتخذه المكتب التنفيذي الذي يقوده بابكر فيصل، وألغاه المكتب القيادي لاحقاً، في وقت تتصاعد فيه نبرة الاحتجاج على غياب المؤسسية واختطاف القرار وعدم الالتزام بلوائح الحزب داخل التجمع بواسطة مجموعة بابكر، المساندة للجنجويد، بحسب ما ذكره قريب الله نفسه عندما قال مخاطباً أعضاء المكتب التنفيذي: “كان يجب أن تتمتعوا بقدرٍ من الشجاعة ولا تمارسوا الكذب والتضليل، وأنت يا بابكر فيصل قاطعت الجلسة عندما حاولوا أن يكونوا مكتباً سياسياً برئاسة محمد الفكي، وكنت أتمنى أن تتحلوا بالشجاعة وتقولوا إن قريب الله ضرب الخطة السرية لاتفاقكم مع الجنجويد.. وأضاف: ”مرت 50 يوماً من الحرب وأنتم غياب.. مافي واحد فيكم قال كلمة، وكان تقولوا نحن عندنا اتفاق مع الجنجويد ولا نستطيع الحديث.. كان تكونوا شجعان وتعلنوا رأيكم مثلما أعلنه الكثيرون”.
انتهى حديث الشقيق قريب الله الذي فضح حقيقة ما يدور في المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي الذي يقوده بابكر فيصل، الحليف التاريخي للكيزان، الذي لم يمارس أي مهنة ولم يتقلد أي وظيفة داخل السودان إلا في مؤسسات وشركات وصحف مملوكة للكيزان، في واحدة من أبشع صور الانتهازية التي تشبهه وتليق به تماماً، وتليق بمن يتبعونه بغير إحسان في المدافعة عن انتهاكات الجنجويد وجرائمهم البشعة، ومنهم رفيقه محمد عبد الحكم الذي شارك معي بمداخلة في برنامج (المسائية) بقناة الجزيرة مباشر، وخصص معظم وقت مداخلته للهجوم على الفريق البرهان، في أعقاب بيان هزيل أصدرته قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وخصصت كل فقراته للنيل من الجيش وقائده بتحميله كل أوزار استمرار الحرب، من دون أن تأتي على سيرة الجنجويد وحربهم القذرة وانتهاكاتهم وجرائمهم المنكرة، وإصرارهم على الاستمرار في الحرب بالهجوم على المواطنين الأبرياء وقواعد الجيش وثكناته كل صباح.
زعم الناشط الغر الذي يتحدث بعقلية أركان النقاش الجامعية أن الحديث عن القضايا السياسية ينبغي أن لا يتم (بعقلية هلال مريخ)؛ بإشارةٍ طفولية لا تخفى دوافعها على أحد، وأقول له إن (هلال مريخ) التي ذكرها معايراً (بجهالةٍ تليق به) تمثل مرحلةً بعيدةً عنكم، لن تبلغوها بعد ألف عام، لأن الناديين اللذين يساندهما غالب أهل السودان ظلا يتنافسان بشرف، ويتدافعان بمحبة، ويتقيدان بكل قواعد اللعب النظيف منذ أن بدأت مسيرة التنافس المحتدم بينهما بمباراة سوق القش الشهيرة في مستهل ثلاثينات القرن الماضي.. وشتان بين سوق القش الذي استضاف أول مباراة للعملاقين وسوق (النخاسة والخيانة) الذي يبيع فيه بعض من يدعون الانتماء للحركة الاتحادية وطنهم وشعبهم ومبادئهم وشرف حزبهم وإرثه وشرفه الباذخ في سوق النخاسة بالتبعية المهينة والمخجلة للجنجويد الذين تكفلوا بكل نفقات سفرهم إلى يوغندا وكينيا وإثيوبيا ومصر وخلافها، كما تحملوا كلفة إقامتهم ونثرياتهم وملأوا أفواههم بالماء الآسن، فعجزوا عن إدانة جرائم القتل والخطف والتعذيب والقتل الجماعي والتهجير واختطاف واغتصاب الحرائر وسبيهن وبيعهن في الأسواق، وتفرغوا للهجوم على جيش يقاتل برجولة وشرف وكرامة كي يدرأ ظلم وعدوان وجرائم وانتهاكات الجنجويد عن الشعب المنكوب!
لا يستطيعون أن يجاهروا بإدانة تلك الجرائم المروعة إلا بعد لجلجة، لتأتي إدانتهم خجولةً وخافتة ومتزامنة مع انتهاكاتٍ يسندونها للجيش، بادعاء أنه يقصف منازل المدنيين، من دون أن يوضحوا سبب ذلك القصف، ومن دون أن يمتلكوا ما يكفي من الشجاعة والجرأة لتوضيح حقيقة أن الجيش ما قصف تلك المنازل إلا بعد احتلال أسيادهم وكفلائهم الجدد لها، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية تتم مهاجمة الجيش منها، وأحيل صاحبنا إلى تصريح الزميلة العزيزة سمية سيد التي صرحت على الملأ مطالبةً قيادة الجيش بقصف منزلها عقب احتلال الجنجويد له ونهب محتوياته، بموقف يقطر وطنية (ورجولة).. الرجولة التي تجرد منها من باعوا أنفسهم ووطنهم ونخوتهم لشيطان السودان، وأداروا ظهورهم لشعبهم وأهلهم المنكوبين!
إن الجبين ليندي خجلاً من ما تفعله قيادة المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي، التي تنكرت للإرث العظيم الذي صنعه الأشقاء عبر التاريخ، ولعل من أرادوا تحويل مسمى حزبهم إلى (التجمع الانتهازي) يجهلون أن الحديث العنصري البغيض الذي يردده جنجويد القتل والخطف والاغتصاب والسلب والنهب إنما يستهدف في المقام الأول تدمير الإرث العظيم والتاريخ المشرف لدولة 1956 المزعومة.. تلك الدولة التي وضع الاتحاديون قبل غيرهم حجر الزاوية فيها، وشادوا أساساتها، وبنوا أمجادها، بعد أن حرروها من ربقة الاستعمار، ورفعوا راية استقلالها، وكانوا وما زالوا (وسيظلون بحول الله) قادتها وحداة ركبها وبنُاة مجدها.. بالوطنية الحقة والمحبة الصافية والولاء المطلق لله والوطن والشعب الحُر.. لا لحميدتي وجنجويده وأمواله القذرة ونثرياته وانتهاكاته المنكرة التي يتغاضون عنها ويعجزون عن إدانتها بأفواه يملؤها ماء آسن، يفيض خيابةً وخياسةً وكراهيةً وبغضاً وإجراماً وعنصرية!
يقول أشياع الجنجويد إن الجيش ينبغي أن يعود إلى ثكناته ولا يحكم، (والجنجويد ينحل)، لكنهم لا يجدون حرجاً من مقاسمة الجيش السلطة ومنحه أعلى المناصب كلما (كشكش) لهم كي يقاسمهم السلطة، مثلما فعلوا عندما باعوا دماء الشهداء وخانوا تضحياتهم بعد الثورة، ومثلما فعلوا عندما (كشكش) لهم الجيش والجنجويد بالاتفاق الإطاري الموؤد فلحسوا لاءاتهم الشهيرة طمعاً في سلطة زائلة ومناصب رخيصة، ونحن نتفهم مسببات حنقهم على قائد الجيش عندما أعلن من منبر الأمم المتحدة أنهم لن يحصلوا على السلطة إلا عبر صناديق اقتراع يعلمون يقيناً أنها لم تأتي بهم، ولن تنتخبهم، فسارعوا إلى مهاجمة الجيش من منصةٍ وفرها لهم جنجويد الغدر والقتل والكراهية والاغتصاب الذين يمثلون أسوأ وأقبح مُنتجات الكيزان، فبئس المقام.. وبئس المقال!